الحرمين: لا خلاف في أنّ الحمل لا يُعلم، وإنما الخلاف في أنه يعامل معاملة المعلوم، بمعنى أنه يؤخّر له ميراث؛ لاحتمال وجوده، ولم يختلف العلماء في أنّ العمل لا يملك شيئًا في بطن أمّه، ولا يُحكم على المعدوم حتى يظهر وجوده.
قال: وأما استدلاله بما ذكر عن عثمان وغيره، فلا حجّة فيه؛ لأن أثر عثمان منقطع، فإن بكرًا، وقتادة روايتهما عن عثمان مرسلةٌ، والعجب أنه لا يحتجّ بالموقوفات، ولو كانت صحيحة متّصلة.
وأما أثر أبي قلابة فَمَنِ الذين يُعجبهم ذلك؟، وهو لو سمّى جمعًا من الصحابة لما كان ذلك حجّة. وأما سليمان بن يسار، فلم يثبت عنه، فإنه من رواية رجل لم يُسمّ، عنه، فلم يثبت فيه خلاف لأحد من أهل العلم، بل قول أبي قلابة: كان يُعجبهم ظاهر في عدم وجوبه، ومن تبرّع بصدقة عن حمل، رجاء حفظه، وسلامته، فليس عليه فيه بأس.
وقد نُقِلَ الاتفاقُ على عدم الوجوب قبل مخالفة ابن حزم، فقال ابن المنذر: ذَكَرَ كلُّ من يُحفظ عنه العلم، من علماء الأمصار أنه لا يجب على الرجل إخراج زكاة الفطر عن الجنين في بطن أمّة، وممن حُفظ ذلك عنه: عطاء بن أبي رباحٍ، ومالكٌ، وأبو ثور، وأصحاب الرأي، وكان أحمد بن حنبل يستحبّ ذلك، ولا يوجبه، ولا يصحّ عن عثمان خلاف ما قلناه انتهى.
وعن أحمد بن حنبل رواية أخرى بوجوب إخراجها عن الجنين (١). وقال ابن عبد البرّ: فيمن وُلد له مولود بعد يوم الفطر لم يختلف قول مالك أنه لا يلزم فيه شيء، قال: وهذا إجماع منه، ومن سائر العلماء، ثم أشار إلى أن ما ذُكر عن مالك، وغيره من الإخراج عمن وُلد في بقيّة يوم الفطر محمول على الاستحباب. وكذا ما حكاه عن الليث فيمن وُلد له مولود بعد صلاة الفطر أن على أبيه زكاة الفطر عنه، قال: وأُحِبّ ذلك للنصرانيّ يُسلم ذلك الوقت، ولا أراه واجبًا عليه.
قال الحافظ العراقيّ: فقد صرّح الليث فيه بعدم الوجوب، ولو قيل بوجوبه لم يكن بعيدًا؛ لأنه يمتدّ وقت إخراجها إلى آخر يوم الفطر، قياسًا على الصلاة، يُدرَك وقت أدائها.
قال الجامع - عفا اللَّه تعالى عنه -: في قوله: يمتدّ وقت إخراجها قياسًا الخ نظر لا يخفى؛ لأن النبيّ - صلى اللَّه عليه وسلم - قال: "من أدّاها قبل الصلاة، فهي زكاة مقبولة، ومن أداها بعد
(١) - إن صحّت هذه الرواية عن أحمد تنقض دعوى الإجماع. فتنبّه.