للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

ابن عمر العمريّ المدنيّ الفقيه الحجة الثبت. والحديث متفق عليه، وقد تقدّم الكلام عليه مستوفًى قريبًا، وإنما أذكر هنا ما ترجم له المصنّف -رحمه اللَّه تعالى-، وهو بيان مقدار زكاة الفطر، فأقول:

(مسألة): اختَلَفَ أهلُ العلم في مقدار المخرَج في زكاة الفطر، فذهب مالك، والشافعيّ، وأحمد، وجمهور العلماء، من السلف، والخلف إلى أن الواجب إخراجه في زكاة الفطر صاع، من أيّ جنس أُخرج. وحكاه ابن المنذر عن الحسن البصريّ، وأبي العالية، وجابر بن زيد، وإسحاق بن راهويه. قال ابن قُدامة: وروي عن أبي سعيد الخدريّ انتهى.

وقال أبو حنيفة: إنما يُخرِج صاعًا، إذا أَخرج تمرًا، أو شعيرًا، فأما إذا أخرج قَمْحًا، أو دقيقه، أو سويقه، فالواجب نصف صاع، وعنه في الزبيب روايتان: أشهرهما عنه أنه مثل القَمْح، فيُخرج منه نصف صاع. والثانية: أنه كالشعير، فيخرج منه صاعًا، وبه قال أبو يوسف، ومحمد. وحكاه ابن المنذر عن سفيان الثوريّ، وأكثر أهل الكوفة، غير أبي حنيفة. قال: وروينا عن جماعة من الصحابة، والتابعين أنه يجزئ نصف صاع من البرّ، روينا ذلك عن أبي بكر، وعثمان، وليس يثبت ذلك عنهما، وعن عليّ، وابن مسعود، وجابر بن عبد اللَّه، وأبي هريرة، وابن الزبير، ومعاوية، وأسماء. وبه قال سعيد بن المسيّب، وعطاء، وطاوس، ومجاهد، وعمر بن عبد العزيز، ورُوي ذلك عن سعيد بن جبير، وعروة بن الزبير، وأبي سلمة بن عبد الرحمن، وأبي قلابة، وعبد اللَّه ابن شدّاد، ومصعب بن سعد. واختُلف فيه عن عليّ، وابن عبّاس، والشعبيّ، فروي عن كلّ منهم القولان جميعًا انتهى.

قال وليّ الدين: وهو قول في مذهب مالك أنه يُجزىء من القمح نصف صاع.

واحتجّ هؤلاء بما في "سنن أبي داود" عن ثعلبة بن أبي صُعير، عن أبيه، عن النبيّ - صلى اللَّه عليه وسلم -، أنه قال: "صاع من قَمْح، على كلّ اثنين" (١). وعن ابن عبّاس - رضي اللَّه عنهما -: "فرض رسول اللَّه - صلى اللَّه عليه وسلم - هذه الصدقة، صاعًا من تمر، أو شعير، أو نصف صاع قَمْح".


(١) - هذا الحديث ضعيف، وله طرق عند أحمد، وأبي داود، والدارقطنيّ، وغيرهم، إلا أن مدار الجميع على الزهريّ، عن عبد اللَّه بن ثعلبة، وقد اختلف عليه في إسناده ومتنه، وقد أوضح هذا الاختلاف الدارقطنيّ في "علله"، ونقله الزيلعيّ في "نصب الراية"، وقال ابن التركمانيّ في "الجوهر النقيّ": هو حديث اضطرب إسنادًا ومتنًا، وقد بين البيهقيّ بعض ذلك. وقال ابن عبد البرّ: هذا حديث مضطرب لا يثبت، وليس دون الزهريّ في هذا الحديث من تقوم به حجة، واختلف عليه فيه أيضًا انتهى. انظر "المرعاة" ج ٦ ص ٢١١ - ٢١٢.