للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

وروى الترمذيّ عن عمرو بن شُعيب، عن أبيه، عن جدّه، أن النبيّ - صلى اللَّه عليه وسلم - بعث مناديًا في فِجاج مكّة: ألا إن صدقة الفطر واجبة على كلّ مسلم، ذكر، أو أنثى، حرّ، أو عبد، صغير، أو كبير، مدّان من قَمْحٍ، أو سواه صاعٌ من طعام". قال الترمذيّ: حسنٌ غريبٌ (١).

واحتجّ الأوّلون بأن في بعض طرُق حديث ابن عمر "صاعًا من بُرّ"، وهذه زيادة يجب الأخذ بها. وروي أيضًا من حديث عليّ، وزيد بن ثابت. وفي "الصحيحين" عن أبي سعيد الخدريّ - رضي اللَّه عنه -: كنّا نعطيها في زمان رسول اللَّه - صلى اللَّه عليه وسلم - صاعًا من طعام، أو صاعًا من تمر، أو صاعًا من شعير، أو صاعًا من زبيب، فلما جاء معاوية، وجاءت السَّمْرَاء، قال: أرى مدًّا من هذا يعدل مدّين". قال ابن عبد البرّ: ولم يختلف مَن ذكر الطعام في هذا الحديث أنه أراد به الحنطة. وثبت في "الصحيحين" في حديث ابن عمر: أمر النبيّ - صلى اللَّه عليه وسلم - بزكاة الفطر صاعًا من تمر، أو صاعًا من شعير، فعجل الناس عدله مدّين من حنطة". وهذا صريح في أن إخراج نصف صاع من القَمح لم يكن في زمن النبيّ - صلى اللَّه عليه وسلم -، وإنما حدث بعده. وأجابوا عن أحاديث نصف الصاع من القمح بأنها لا تثبت عن النبيّ - صلى اللَّه عليه وسلم -. قاله ابن المنذر (٢).

وقال في "الفتح": وقال ابن المنذر أيضًا: لا نعلم في القَمْح خبرًا ثابتًا عن النبيّ - صلى اللَّه عليه وسلم -، يُعتَمد عليه، ولم يكن البرّ بالمدينة ذلك الوقت إلا الشيء اليسير منه، فلما كثر في زمن الصحابة رأوا أن نصف صاع منه يقوم مقام صاع من شعير، وهم الأئمّة، فغير جائز أن يُعدل عن قولهم إلا إلى قول مثلهم، ثم أسند عن عثمان، وعليّ، وأبي هريرة، وجابر، وابن عبّاس، وابن الزبير، وأمّه أسماء بنت أبي بكر بأسانيد صحيحة أنهم رأوا أن في زكاة الفطر نصف صاع من قمح انتهى. وهذا مصيرٌ منه إلى اختيار ما ذهب إليه الحنفيّة. لكن حديث أبي سعيد دالّ على أنه لم يوافق على ذلك، وكذلك ابن عمر، فلا إجماع في المسألة، خلافًا للطحاويّ. وكان الأشياء التي ثبت ذكرها في حديث أبي سعيد لَمّا كانت متساويةً في مقدار ما يخرج منها مع ما يُخالفها في القيمة دلّ على أنّ إخراج هذا المقدار من أيّ جنس كان، فلا فرق بين الحنطة وغيرها. هذه حجّة الشافعيّ. وأما من جعله نصف صاع منها بدل صاع من شعير، فقد فعل ذلك بالاجتهاد بناءً منه على أن


(١) - بل هو ضعيف؛ لأن فيه عنعنعة ابن جريج، وهو مشهور بالتدليس، قال الدارقطنيّ: تجنّب تدليس ابن جريج، فإنه قبيح التدليس، لا يدلّس إلا فيما سمعه من مجروح. وقال الترمذيّ: سألت محمدًا -يعني البخاريّ- عن هذا الحديث؟ فقال: ابن جريج لم يسمع من عمرو بن شعيب انتهى. انظر "المرعاة" ج ٦ ص ٢٠٩.
(٢) - "طرح التثريب" ج ٤ ص ٥٢ - ٥٣.