للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

إلى المذكور، من كلِّ من عاشوراء، والزكاة، أي لم نؤمر بصوم عاشوراء، وأداء زكاة الفطر (وَلَمْ نُنْهَ عَنْهُ) أي عن كلّ مما ذُكر (وَكُنَّا نَفْعَلُهُ) وفي الرواية التالية: "أمرنا رسول اللَّه - صلى اللَّه عليه وسلم - بصدقة الفطر قبل أن تَنزل الزكاة، فلمّا نزلت الزكاة، لم يأمرنا، ولم ينهنا، ونحن نفعله". وأخرجه أحمد في "مسنده"، فقال:

٢٣٣٢٨ - حدثنا يزيد بن هارون، أنبأنا سفيان الثوري، عن سلمة بن كهيل، عن القاسم بن مخيمرة، عن أبي عمار، قال: سألت قيس بن سعد، عن صدقة الفطر؟ فقال: "أمرنا رسول اللَّه - صلى اللَّه عليه وسلم -، قبل أن تنزل الزكاة، ثم نزلت الزكاة، فلم ننه عنها، ولم نؤمر بها، ونحن نفعله". وسألته عن صوم عاشوراء؟ فقال: "أمرنا رسول اللَّه - صلى اللَّه عليه وسلم -، قبل أن ينزل رمضان، ثم نزل رمضان، فلم نؤمر به، ولم ننه عنه، ونحن نفعله".

وقد استدلّ به من قال: إن وجوب زكاة الفطر نُسخ، وهو إبراهيم ابن عُليّة، وأبو بكر بن كيسان الأصمّ، وأشهب من المالكيّة، وابن اللبّان، من الشافعيّة. قال الحافظ -رحمه اللَّه تعالى-: وتُعُقّب بأن في إسناده راويًا مجهولًا.

قال الجامع - عفا اللَّه تعالى عنه -: هكذا قال الحافظ في "الفتح" جـ٤ ص ١٣٩ - : ولا أدري مَن هو الراوي المجهول في هذا السند، والسند الذي بعده؟، فإنهم كلّهم ثقات مشهورن، من رجال الصحيح، غير أبي عمّار، وهو عَرِيب بن حميد، وهو كوفيّ ثقة، فلتُراجَع تراجمهم من "تهذيب الكمال"، و"تهذيب التهذيب"، و"التقريب".

قال: وعلى تقدير الصّحّة، فلا دليل فيه على النسخ؛ لاحتمال الاكتفاء بالأمر الأول؛ لأن نزول فرض لا يوجب سقوط فرض آخر انتهى.

والحاصل أن فرض الزكاة لا يستلزم نسخ فرض صدقة الفطر، لأن النسخ إنما يثبت ببيان الشارع أن هذا الأمر بدل عن هذا الأمر، كما بَيّن - صلى اللَّه عليه وسلم - حينما فُرض رمضان أن وجوب صوم عاشوراء نُسخ، ففي حديث عائشة - رضي اللَّه عنها - عند الشيخين: أن قريشا كانت تصوم عاشوراء، في الجاهلية، ثم أمر رسول اللَّه - صلى اللَّه عليه وسلم - بصيامه، حتى فُرض رمضان، فقال رسول اللَّه - صلى اللَّه عليه وسلم -: "من شاء فليصمه، ومن شاء فليفطره".

فقد صرّح النبيّ - صلى اللَّه عليه وسلم - بنسخ وجوب صوم عاشوراء، وأما إذا أمر بشيء، ثم أمر بعده بشيء آخر، كما نحن فيه، فهيهات أن يُفهَم منه أن الأول منسوخ بالثاني، ولذا قال الصحابيّ هنا: وكنّا نفعله، أي لأن الأمر الأول باق، ولم يقل: فمنا من فعله، ومنا من تركه، كما صحّ ذلك في عاشوراء، ففي "الصحيحين": من حديث عائشة - رضي اللَّه عنها - أيضًا: "فلما فُرض رمضان، تُرك يوم عاشوراء، فمن شاء صامه، ومن شاء تركه".

فقد اتضح الفرق بين فرض صوم عاشوراء، حيثُ نُسخ، وفرض زكاة الفطر، حيث لم يُنسخ، وكان فعلُ الصحابة له بالأمر السابق، إذ هو باق لم يتغيّر عن صفته.