للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

العامريّ، أنه سمع أبا سعيد الخدريّ - رضي اللَّه عنه - … الحديث (قَالَ: "كُنَّا نُخْرِجُ زَكَاةَ الْفِطْرِ، إِذْ كَانَ فِينَا رَسُولُ اللَّهِ - صلى اللَّه عليه وسلم -) "إذ" ظرفيّة، أي وقت كون النبيّ - صلى اللَّه عليه وسلم - فينا. وفي رواية للبخاريّ: "كنّا نعطيها في زمان النبيّ - صلى اللَّه عليه وسلم - وفي أخرى له أيضًا: "كنّا نُخرج في عهد النبيّ - صلى اللَّه عليه وسلم -".

قال الحافظ: هذا حكمه الرفع؛ لإضافته إلى زمنه - صلى اللَّه عليه وسلم -، ففيه إشعار باطلاعه - صلى اللَّه عليه وسلم - على ذلك، وتقريرِهِ له، ولا سيّما في هذه الصورة التي توضع عنده، وتُجمع بأمره، وهو الآمر بقبضها، وتفرقتها انتهى.

قال الجامع - عفا اللَّه تعالى عنه -: وإلى كون هذا ونحوه من المرفوع حكمًا أشار الحافظ السيوطيّ -رحمه اللَّه تعالى- في "ألفية الحديث" حيث قال:

وَلْيُعْطَ حُكْمَ الرَّفْعِ فِي الصَّوَابِ … نَحْوُ مِنَ السُّنَّةِ مِنْ صَحَابِي

كَذَا أُمِرْنَا وَكَذَا كُنَّا نَرَى … فِي عَهْدِهِ أَوْ عَنْ إِضَافَةٍ عَرَى

ثَالِثُهَا إِكَانَ لَا يَخفَى وَفِي … تَصْرِيحِهِ بِعِلْمِهِ الْخُلْفُ نُفِي

وفيه ردٌّ على ابن حزم في زعمه أن حديث أبي سعيد ليس مسندًا؛ لأنه ليس فيه أن رسول اللَّه - صلى اللَّه عليه وسلم - عَلِم بذلك، وأقرّه. ووجه الردّ أن ألفاظ الحديث تدلّ على أنّ ذلك كان معلومًا معروفًا على عهد رسول اللَّه - صلى اللَّه عليه وسلم -، ولا يخفى مثلُ ذلك على رسول اللَّه - صلى اللَّه عليه وسلم - (١).

(صَاعًا مِنْ طَعَامٍ) قال السنديّ -رحمه اللَّه تعالى- في "حاشية ابن ماجه": يحتمل أن صاعًا من طعام أريد به صاع من الحنطة، فإن الطعام، وإن كان يعمّ الحنطة وغيرها لغةً، لكن اشتهر في العرف إطلاقه على الحنطة، ويؤيّده المقابلة بما بعده. ويحتمل أن يكون صاعًا من طعام مجمَلًا، ويكون ما بعده بيانًا له، كأنه بيّن أن الطعام الذي كانوا يعطون منه الصالح كان تمرًا، وشعيرًا، وأقطًا، لا حنطةً، ويؤيّده ما رواه البخاريّ عن أبي سعيد - رضي اللَّه عنه -: "كنّا نُخرج في عهد رسول اللَّه - صلى اللَّه عليه وسلم - يوم الفطر، صاعًا من طعام، وكان طعامنا يومئذ الشعير، والزبيب، والأقط، والتمر". وكذا ما رواه ابن خُزيمة عن ابن عمر - رضي اللَّه عنهما -، قال: "لم تكن الصدقة على عهد رسول اللَّه - صلى اللَّه عليه وسلم - إلا التمر، والزبيب، والشعير، ولم تكن الحنطة". فينبغي أن يتعيّن الحمل على هذا المعنى، بل يُستبعد أن يكون المعلوم فيما بينهم صاعًا من الحنطة، فيتركونه إلى نصفه بكلام معاوية - رضي اللَّه عنه -، بل لا يبقى لقول معاوية: إن النصف يعدل الصاع حينئذ وجهٌ، إلا بتكلّف.

وبالجملة فمعنى هذا الحديث أنه ما كان عندهم نصّ منه - صلى اللَّه عليه وسلم - في البرّ بصاعٍ، أو


(١) - راجع "المرعاة" ج ٦ ص ١٩٤.