قال وليّ الدين -رحمه اللَّه تعالى-: من قال بالتخيير فقد أخذ بظاهر الحديث، وأما من قال بتعيين غالب قوت البلد، أو قوت نفسه، فإنه حمل الحديث على ذلك، ولم يجعله على ظاهره من التخيير، واقتصر في المشهور من روايات ابن عمر على التمر، والشعير؛ لأنهما غالب ما يُقتات بالمدينة في ذلك الوقت، فإما أن يكون محمولاً على إيجاب التمر على من يقتاته، والشعير على من يقتاته، وإما أن يكون مخيّرًا بينهما؛ لاستوائهما في الغلبة، فلا ترجيح لأحدهما على الآخر، فالمخرِج مخيّرٌ بينهما انتهى (١).
قال الجامع - عفا اللَّه تعالى عنه -: الأرجح عندي حمل "أو" على معنى التخيير، وأن المؤدّي لصدقة الفطر مخيّرٌ في إخراج أيّ نوع شاء، مما صحّ ذكره في الحديث، لا من سائر أنواع الحبوب، فإنها لا تجزئ مع وجود المنصوص عليه، وإن لم يوجد شيء من المنصوص عليه أجزأ كلُّ ما كان قوتَ أهل البلد غالبًا. واللَّه تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب.
(المسألة السادسة): في اختلاف أهل العلم في الأفضل من الأجناس المنصوص عليها:
ذهب الإمامان: مالك، وأحمد إلى اختيار إخراج التمر، قال ابن المنذر: واستحبّ مالك إخراج العجوة منه.
وذهب الشافعيّ، وأبو عبيد إلى اختيار إخراج البرّ. وقال بعض أصحاب الشافعيّ: يحتمل أن يكون الشافعيّ قال ذلك؛ لأن البرّ كان أعلى في وقته، ومكانه؛ لأن المستحبّ أن يخرج أغلاها ثمنًا، وأنفسها؛ لقول النبيّ - صلى اللَّه عليه وسلم -، وقد سئل عن أفضل الرقاب؟ قال:"أغلاها ثمنًا، وأنفسها عند أهلها". متّفق عليه.
وإنما اختار أحمد إخراج التمر اقتداءً بأصحاب رسول اللَّه - صلى اللَّه عليه وسلم -، واتباعًا لهم. وروى بإسناده عن أبي مِجْلَزٍ، قال: قلت لابن عمر إن اللَّه قد أوسع، والبرّ أفضل من التمر، قال: إن أصحابي سلكوا طريقًا، وأنا أُحبّ أن أسلكه. وظاهر هذا أن جماعة من الصحابة كانوا يخرجون التمر، فأحبّ ابن عمر موافقتهم، وسلوك طريقتهم، وأحبّ أحمد أيضًا الاقتداء بهم، واتِّبَاعهم.
وروى البخاريّ عن ابن عمر، قال:"فرض النبيّ - صلى اللَّه عليه وسلم - صدقة الفطر … " الحديث.