للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

وفيه كان ابن عمر يُعطي التمر، فأعوز أهلُ المدينة من التمر، فأعطى شعيرًا. قال الحافظ: فيه دلالة على أن التمر أفضل ما يُخرج في صدقة الفطر. وقد روى جعفر الفريابيّ من طريق أبي مِجْلَزٍ، قال: قلت لابن عمر: قد أوسع اللَّه، والبرّ أفضل من التمر، أفلا تُعطي البرّ؟، قال: لا أُعطي إلا كما كان يعطي أصحابي. وُيستَنبَطُ من ذلك أنهم كانوا يخرجون من أعلى الأصناف التي يُقتات بها؛ لأن التمر أعلى من غيره، مما ذُكر في حديث أبي سعيد، وإن كان ابن عمر فَهِمَ منه خصوصيّة التمر بذلك. واللَّه أعلم انتهى كلام الحافظ (١).

قال ابن قُدامة: والأفضل بعد التمر البرّ، وقال بعض أصحابنا: الأفضل بعده الزبيب؛ لأنه أقرب تناولًا، وأقلّ كلفة، فأشبه التمر. ولنا أن البرّ أنفع في الاقتيات، وأبلغ في دفع حاجة الفقير. انتهى (٢).

قال الجامع - عفا اللَّه تعالى عنه -: عندي قول من فضّل الزبيب على البرّ أرجح؛ لصحّة الحديث به، دون البرّ. واللَّه تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب.

(المسألة السابعة): في اختلاف أهل العلم في إخراج القيمة في صدقة الفطر:

ذهب الأئمة الثلاثة: مالك، والشافعيّ، وأحمد -رحمهم اللَّه تعالى- إلى أنه لا يجوز دفع القيمة في صدقة الفطر.

وذهب الإمام أبو حنيفة، وأصحابه -رحمهم اللَّه تعالى- إلى جواز ذلك.

قال ابن قدامة: قال أبو داود: قيل لأحمد، وأنا أسمع: أَعطَى دراهم -يعني في صدقة الفطر- قال: أخاف أن لا يجزئه خلاف سنّة رسول اللَّه - صلى اللَّه عليه وسلم -. وقال أبو طالب: قال أحمد: لا يعطي قيمته، قيل له: قوم يقولون: عمر بن عبد العزيز كان يأخذ القيمة، قال: يدعون قول رسول اللَّه - صلى اللَّه عليه وسلم -، ويقولون قال فلان، قال ابن عمر: "فرض رسول اللَّه - صلى اللَّه عليه وسلم -"، وقال اللَّه تعالى: {وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ} [المائدة: ٩٢]. وقال قوم يردّون السنن: قال فلان، قال فلان.

وظاهر مذهبه أنه لا يجزئه إخراج القيمة في شيء من الزكوات، وبه قال مالك، والشافعيّ.

وقال الثوريّ، وأبو حنيفة: يجوز. وقد روي ذلك عن عمر بن عبد العزيز، والحسن، وروي عن أحمد مثل قولهم فيما عدا صدقةَ الفطر، وقال أبو داود: سئل أحمد عن رجل باع ثمر نخلته؟، قال: عشره على الذي باعه، قيل له: فيخرج ثمرًا، أو


(١) - راجع "الفتح" ج ٤ ص ١٤٨ - ١٥٠.
(٢) - راجع "المغني" ج ٤ ص ٢٩١ - ٢٩٢.