متجر، يوافي الحاجّ إليها بتجارات، فيبيعونها هناك، وكانت المدينة بخلاف ذلك؛ لأنها دار النخل، ومن ثمارها حياتهم، وكانت الصدقات تدخلها، فيكون الواجب فيها من صدقة تؤخذ كيلًا، فجعل النبيّ - صلى اللَّه عليه وسلم - الأمصار كلها لهذين المصرين أتباعًا، وكان الناس يحتاجون إلى الوزن في أثمان ما يبتاعون، وفيما سواها مما يتصرّفون فيه من العروض، ومن أداء الزكوات، وما سوى ذلك مما يستعملونه، فيما يُسلمونه فيه من غيره من الأشياء التي يكيلونها، وكانت السنّة قد منعت من إسلام موزون في موزون، ومن إسلام مكيل في مكيل، وأجازت إسلام المكيل في موزون، والموزون في مكيل، ومنعت من بيع الموزون بالموزون، إلا مثلًا بمثل، ومن بيع المكيل بالمكيل إلا مثلًا بمثل، وكان الوزن في ذلك أصله ما كان عليه بمكة، والمكيال مكيال أهل المدينة، لا يتغيّر عن ذلك، وإن غيّره الناس عما كان عليه إلى ما سواه من ضدّه، فيرحبون بذلك إلى معرفة الأشياء المكيلات التي لها حكم المكيال إلى ما كان عليه أهل المكاييل فيها يومئذ، وفي الأشياء الموزونات إلى ما كان عليه أهل الميزان يومئذ، وأن أحكامها لا تتغيّر عن ذلك، ولا تنقلب عنها إلى أضدادها انتهى كلام الطحاويّ -رحمه اللَّه تعالى-.
قال الجامع - عفا اللَّه تعالى عنه -: قد أرشد الشارع الحكيم في هذا الحديث الأمّة إلى توحيد معاملاتها في الموزونات، والمكيلات، لئلا يقع فيها التخالف، ويكثر فيها الخصام، والنزاع، ولا سيما فيما يتعلق بأمر الدين، كالزكوات، والفطرات، ونحوها، فلو أحيَتْ هذه السنّةَ، واتبَعَتْ إرشاده - صلى اللَّه عليه وسلم - لسَعِدَت في أمر معاشها، ومعادها، كما قال اللَّه تعالى:{وَإِنْ تُطِيعُوهُ تَهْتَدُوا}، وقال:{وَاتَّبِعُوهُ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ}. ولكن الداهية العظمى أن الشيطان سوّل لها التقليد للكفرة في مثل هذه المعاملات، فاستحسنت ذلك، وفضّلته على اتباع السنّة، فلا حول، ولا قوّة إلا باللَّه العزيز الحكيم.