(عَنِ ابْنِ عُمَرَ) - رضي اللَّه تعالى عنهما - (عَنِ النَّبِيِّ - صلى اللَّه عليه وسلم -) أنه (قَالَ: "الْمِكيَال مِكْيَالُ أَهْلِ الْمَدِينَةِ) أي الصاع الذي يتعلّق به وجوب الكفّارات، ويجب إخراج صدقة الفطر به صاع المدينة، وكانت الصيعان مختلفة في البلاد، وصاع أهل المدينة خمسة أرطال وثلث، كما تقدّم تحقيقه، وقد ذكرت ما حققه أبو محمد ابن حزم في ذلك في المسألة الثالثة في الحديث الماضي.
(وَالْوَزْنُ وَزْنُ أَهْلِ مَكَّةَ") أي وزن الذهب والفضّة فقط، والمراد أن الوزن المعتبر في باب الزكاة وزنُ أهل مكة، وهي الدراهم التي العشرة منها بسبعة مثاقيل، وكانت الدراهم مختلفة الأوزان في البلاد، وكانت دراهم أهل مكة هي الدراهم المعتبرة في باب الزكاة، فأرشد - صلى اللَّه عليه وسلم - إلى ذلك بهذا الكلام.
وقيل: إن أهل المدينة أهل زراعات، فهم أعلم بأحوال المكاييل، وأهل مكة أصحاب تجارات، فعهدهم بالموازين، وعلهم بالأوزان أكثر. قاله القاضي.
وفي "شرح السنّة": الحديث فيما يتعلّق بالكيل والوزن من حقوق اللَّه تعالى، كالزكوات، والكفّارات، ونحوها، حتى لا تجب الزكاة في الدراهم حتى تبلغ مائتي درهم بوزن مكّة، والصاع في صدقة الفطر صاع أهل المدينة، كلّ صاع خمسة أرطال وثلث رطل. كذا في "المرقاة".
وقال أبو محمد ابن حزم -رحمه اللَّه تعالى-: وبحثت أنا غاية البحث عند كلّ من وثقت بتمييزه، فكلّ اتفق لي على أن دينار الذهب بمكة وزنه اثنان وثمانون حبّة، وثلاثة أعشار حبّة بالحبّ من الشعير المطلق، والدرهم سبعة أعشار المثقال، فوزن الدرهم المكيّ سبع وخمسون حبّة، وستة أعشار حبّة، وعشر حبّة، فالرطل مائة درهم وثمانية وعشرون درهما بالدرهم المذكور انتهى (١).
والحديث فيه دليلٌ على أنه يُرجع عند الاختلاف في الكيل إلى مكيال المدينة، وعند الاختلاف في الوزن إلى ميزان مكة.
قال الإمام أبو جعفر الطحاويّ -رحمه اللَّه تعالى-: تأملنا هذا الحديث، فوجدنا مكة لم يكن بها ثمرة، ولا زرعٌ حينئذ، وكذلك كانت قبل ذلك الزمان، ألا ترى إلى قول إبراهيم - عليه السلام -: {رَبَّنَا إِنِّي أَسْكَنْتُ مِنْ ذُرِّيَّتِي بِوَادٍ غَيْرِ ذِي زَرْعٍ عِنْدَ}، وإنما كانت بلد