للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

فقال: اللَّهم لك الحمد على سارق انتهى.

قال الحافظ: لا يخفى بعد هذا الوجه، وأما الذي قبله، فأبعد منه، والذي يظهر الأول، وأنه سَلّم، وفوّض، ورضي بقضاء اللَّه، فحمد اللَّه على تلك الحال؛ لأنه المحمود على جميع الحال، لا يُحمد على المكروه سواه. وقد ثبت أن النبيّ - صلى اللَّه عليه وسلم - كان إذا رأى ما لا يُعجبه، قال: "اللَّهمّ لك الحمد على كلّ حال" انتهى. (١)

(لَأَتَصَدَّقَنَّ) في رواية مسلم: "لأتصدَّقَن الليلة"، وفيه فضل صدقة السرّ، وفضل الإخلاص (بِصَدَقَةٍ) أي صدقة أخرى على مستحقها (فَخَرَجَ بِصَدَقَتِهِ) ليضعها في يد مستحقها (فَوَضَعَهَا فِي يَدِ) امرأة (زَانِيَةٍ، فَأَصْبَحُوا يَتَحَدَّثُونَ) تعجّبًا، وإنكارًا (تُصُدِّقَ) بالبناء للمفعول أيضًا (اللَّيْلَةَ) منصوب على الظرفية، متعلق بما قبله (عَلَى زَانِيَةٍ، فَقَالَ) المتصدّق (اللَّهُمَّ لَكَ الْحَمْدُ، عَلَى زَانِيَةٍ) على تصدّقي على امرأة زانية، حيث كان بإرادتك، لا بإرادتي. ثم قال (لَأَتَصَدَّقَنَّ بصَدَقَةٍ، فَخَرَجَ بِصَدَقَتِهِ، فَوَضَعَهَا فِي يَدِ) رجل (غَنِيٍّ، فَأَصْبَحُوا يتَحَدّثُونَ، تُصُدِّقَ) بالبنَاء للمفعول أيضًا (عَلَى غَنِيٍّ، قَالَ) المتصدّق (اللَّهُمَّ لَكَ الْحَمْدُ، عَلَى زَانِيَةٍ، وَعَلَى سَارِقٍ، وَعَلَى غَنِيٍّ) أي حيث كان كله بإرادتك، فأنت المحمود في جميع أفعالك؛ حيث كان كلّها جميلًا.

وقال القرطبيّ: وقول المتصدّق: "اللهم لك الحمد على زانية" إشعار بألم قلبه، إذ ظنّ أن صدقته لم توافق محلّها، وأن ذلك لم ينفعه، ولذلك كرّر الصدقة، فلما علم اللَّه صحة نيته تقبّلها منه، وأعلمه بفوائد صدقاته انتهى (فَأُتِيَ) بالبناء للمفعول، أي أتاه آت في منامه، ففي رواية الطبرانيّ في "مسند الشاميين" عن أحمد بن عبد الوهّاب، عن أبي اليمان بهذا الإسناد: "فساءه ذلك، فأُتي في منامه". وأخرجه أبو نُعيم في "المستخرج" عنه، وكذا الإسماعيليّ من طريق عليّ بن عيّاش، عن شعيب، وفيه تعيين أحد الاحتمالات التي ذكرها ابن التين وغيره، قال الكرمانيّ: قوله: "أُتي" أي أري في المنام، أو سمع هاتفًا، أو غيره، أو أخبره نبيّ، أو أفتاه عالم. وقال غيره: أو أتاه ملك، فكلّمه، فقد كانت الملائكة تكلّم بعضهم في بعض الأمور.

قال الحافظ: وقد ظهر بالنقل الصحيح أنها كلّها لم تقع، إلا النقل الأول انتهى.

وقال السنديّ -رحمه اللَّه تعالى-: ورؤيا غير الأنبياء، وان كان لا حجة فيها، لكن هذه الرؤيا قد قرّرها النبيّ - صلى اللَّه عليه وسلم -، فحصل الاحتجاج بتقريره - صلى اللَّه عليه وسلم - انتهى (٢).

(فَقِيلَ لَهُ: أَمَّا صَدَقَتُكَ، فَقَدْ تُقُبِّلَتْ) وفي رواية الطبرانيّ: "إن اللَّه قد قبل صدقتك"


(١) - "الفتح" ج ٤ ص ٤١.
(٢) - "شرح السنديّ" ج ٥ ص ٥٦.