للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

أَبَا هُرَيْرَةَ) - رضي اللَّه عنه - (يُحَدِّثُ بِهِ، عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صلى اللَّه عليه وسلم -، وَقَالَ) أي الرسول - صلى اللَّه عليه وسلم - (قَالَ: رَجُلٌ) قال الحافظ: لم أقف على اسمه، ووقع عند أحمد من طريق ابن لهيعة، عن الأعرج في هذا الحديث أنه كان من بني إسرائيل انتهى (لَأَتَصَدَّقَنَّ بِصَدَقَةٍ) في رواية أبي عوانة، عن أبي أمية، عن أبي اليمان، بهذا الإسناد: "لأتصدّقنّ الليلة"، وكرّر كذلك في المواضع الثلاثة. وكذا أخرجه أحمد، من طريق ورقاء، ومسلم من طريق موسى بن عقبة، والدارقطنيّ في "غرائب مالك"، كلهم عن أبي الزناد.

وقوله: "لأتصدّقنّ" اللام فيه هي الموطّئة للقسم، والقسم فيه مقدر، أي واللَّه لأتصدّقنّ، وهو من باب الالتزام كالنذر، فصارت الصدقة واجبة، فصحّ الاستدلال به في صدقة الفرض، وهذا الاستدلال مبنيّ على أن شرع من قبلنا شرع لنا، ما لم يظهر نسخه، وإنكاره في شرعنا، وهو المذهب الحقّ، وهو مذهب البخاريّ، والمصنّف -رحمهما اللَّه تعالى-، وسيأتي تمام البحث فيه في المسألة الخامسة، إن شاء اللَّه تعالى.

(فَخَرَجَ) من بيته (بِصَدَقَتِهِ) أي التي نوى أن يضعها في يد مستحقّها (فَوَضَعَهَا فِي يَدِ سَارِقٍ) أي وهو لا يعلم أنه سارق (فَأَصْبَحُوا) أي القوم الذين كان فيهم ذلك المتصدّق (يَتَحَدَّثُونَ) في موضع نصب خبر "أصبحوا"، أي يُحدّث بعضهم بعضًا (تُصُدَّقَ عَلَى سَارِقِ) ببناء الفعل للمفعول، وهو إخبارٌ بمعنى التعجّب، أو الإنكار. قاله السنديّ.

وفي رواية أبي أُمية: "تصدّق الليلةَ على سارق". وفي رواية ابن لهيعة: "تُصُدّق الليلة على فلان السارق". قال الحافظ: ولم أر في شيء من الطرق تسمية أحد من الثلاثة المتصَدَّق عليهم (١) (فَقَالَ:) المتصدّق (اللَّهُمَّ لَكَ الْحَمْدُ عَلَى سَارِقٍ) أي على تصدّقي على سارق، لا لي؛ لأنّ صدقتي وقعت بيد من لا يستحقّها، فلك الحمد، حيث كان ذلك بإرادتك، لا بإرادتي، فإن إرادتك كلها جميلة، ولا يُحمَد على المكروه سواك. وقدّم الخبر على المبتدإ في قوله: "لك الحمد" لإفادة الحصر.

وقال الطيبيّ: لما جزم بوضعها في موضعها بدلالة التنكير في "بصدقةٍ"، وأبرز كلامه في معرض القسم تأكيدًا، أو قطعًا للقبول بها، جُوزي بوضعها في يد سارق، فحمد اللَّه، وشكره على أنه لم يقدر أن يتصدق على من هو أسوأ حالًا منه، أي لك الحمد لأجل وقوع الصدقة في يده دون من هو أشدّ حالًا منه، أو أجرى الحمد مجرى التسبيح في استعماله عند مشاهدة ما يُتعجّب منه تعظيمًا للَّه، يعني أنه ذَكَرَ الحمد في موضع التعجّب، كما يُذكر التسبيح في موضعه، فلما تعجّبوا من فعله تعجّب هو أيضًا،


(١) - راجع "الفتح" ج ٤ ص ٤٠.