للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

وأن الأمّة تدخل تحت الخطاب الخاصّ به - صلى اللَّه عليه وسلم -.

واستدلّوا أيضًا بقوله تعالى: {شَرَعَ لَكُمْ مِنَ الدِّينِ مَا وَصَّى بِهِ نُوحًا} الآية [الشورى: ١٣] وبقوله: {وَيَهْدِيَكُمْ سُنَنَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ} الآية [النساء: ٢٦].

واحتجّ الإمام الشافعيّ على أن شرع من قبلنا ليس شرعًا لنا بقوله تعالى: {لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنْكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجًا} الآية [المائدة: ٤٨]، وقال: إن الْهُدَى في قوله: {فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهْ}، والدينَ في قوله: {شَرَعَ لَكُمْ مِنَ الدِّينِ} المراد بهما العقائد، دون الفروع العملية، بدليل الآية المذكورة.

والحقّ أنه لا يختص بذلك؛ لما في "صحيح البخاريّ" عن مجاهد أنه سأل ابن عباس - رضي اللَّه عنهما - من أين سجدتَّ؟ -يعني في {ص} - فقال: أو ما تقرأ: {وَمِنْ ذُرِّيَّتِهِ دَاوُودَ وَسُلَيْمَانَ}{أُولَئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهْ}، فكان داود ممن أُمر نبيّكم - صلى اللَّه عليه وسلم - أن يقتدي به، فسجدها رسول اللَّه - صلى اللَّه عليه وسلم -.

فهذا نصّ صريحٌ مرفوعٌ إلى النبيّ - صلى اللَّه عليه وسلم - ثابت في "صحيح البخاريّ" على أنّ سجود التلاوة داخل في قوله: {فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهْ}، وهو ليس من العقائد بالإجماع، فظهر عدم الاختصاص بالعقائد.

وأجاب الجمهور عن احتجاج الشافعيّ بقوله تعالى: {لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنْكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجًا} بأن المراد بها نسخ بعض ما كان مشروعًا، أو زيادةُ ما لم يكن مشروعًا، وكلاهما ليس من محلّ النزاع.

ولم يزل العلماء يستدلّون على الأحكام بالقصص الماضية، كاستدلال المالكيّة، وغيرهم على أن القرينة الجازمة ربما تكفي عن البينة بجعل شاهد يوسف قرينةَ شقّ القميص من دبر مقتضية صدقَ يوسف - عليه السلام -، وكذب امرأة العزيز المنصوص في قوله:

{وَشَهِدَ شَاهِدٌ مِنْ أَهْلِهَا} إلى قوله: {فَلَمَّا رَأَى قَمِيصَهُ قُدَّ مِنْ دُبُرٍ قَالَ: إِنَّهُ مِنْ كَيْدِكُنَّ} [يوسف: ٢٨]، ولذا صارت القرينة تكفي عن البيّنة في أمور كثيرة، كقول مالك: إن مَن استُنكِهَ، فَشُمّ من نكهته رائحة الخمر أنه يُجلد جلدَ شارب الخمر.

وكمسيس الزوجة التي زُفّت إليه مع نساء لا تُثبت شهادتهنّ عينَ الزوجة؛ اعتمادًا على القرينة. وكالضيف يأتيه الصبيّ، أو الوليدة بالطعام، فيباح له أكله من غير بيّنة؛ اعتمادًا على القرينة. وكأخذ المالكيّة، وغيرهم أيضًا أن القرينة تُبطلها قرينة أقوى منها، من قصّة يعقوب، وأولاده حيث جعلوا دم السخلة على قميص يوسف؛ ليكون الدم قرينة لهم على صدقهم في أنّ يوسف أكله الذئب، فأبطلها يعقوب بقرينة أقوى منها، وهي عدم شقّ القميص، فقال: سبحان اللَّه، متى كان الذئب حليمًا كيّسًا، يقتل يوسف، ولا