للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

يشقّ قميصه (١). كما ذكر اللَّه عنهم في قوله: {وَجَاءُوا عَلَى قَمِيصِهِ بِدَمٍ كَذِبٍ قَالَ: بَلْ سَوَّلَتْ لَكُمْ أَنْفُسُكُمْ أَمْرًا} الآية [يوسف: ١٨].

وكأخذ المالكيّة وغيرهم جوازَ ضمان الغُرْمَ من قوله تعالى: {وَلِمَنْ جَاءَ بِهِ حِمْلُ بَعِيرٍ وَأَنَا بِهِ زَعِيمٌ}.

وكأخذ بعض الشافعية ضمان الوجه المعروف عندهم بالكفالة، من قصّة يعقوب وأولاده المنصوص في قوله: {قَالَ: لَنْ أُرْسِلَهُ مَعَكُمْ حَتَّى تُؤْتُونِ مَوْثِقًا مِنَ اللَّهِ لَتَأْتُنَّنِي بِهِ إِلَّا أَنْ يُحَاطَ بِكُمْ} الآية [يوسف: ٦٦].

وكأخذ الحنابلة جواز طول مدّة الإجارة من قوله في قصّة موسى وشُعيب: {إِنِّي أُرِيدُ أَنْ أُنْكِحَكَ إِحْدَى ابْنَتَيَّ} الآية إلى قوله: {ثَمَانِيَ حِجَجٍ} [القصص: ٢٧].

وكأخذ المالكيّة وجوب الإعذار للخصم بـ "أَبَقِيَ لَكَ حُجّةٌ؟ " من قوله في قصّة سليمان في الهدهد: {لَأُعَذِّبَنَّهُ عَذَابًا شَدِيدًا أَوْ لَأَذْبَحَنَّهُ أَوْ لَيَأْتِيَنِّي بِسُلْطَانٍ مُبِينٍ} [النمل: ٢١]. وكأخذهم أيضًا أن التلوّم للخصم بعد انقضاء الآجال ثلاثةُ أيام، من قوله تعالى في قصّة صالح - عليه السلام - وقومه: {فَقَالَ: تَمَتَّعُوا فِي دَارِكُمْ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ} الآية [هود: ٦٥].

وكأخذ العلماء جواز وقوع كرامات الأولياء من قوله تعالى في قصّة مريم: {قَالَ: يَا مَرْيَمُ أَنَّى لَكِ هَذَا قَالَتْ: هُوَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ} الآية [آل عمران: ٣٧]. وأمثال هذا كثيرة جدًّا. انتهى ما كتبه الشيخ الشنقيطيّ -رحمه اللَّه تعالى- في كتابه المذكور (٢).

قال الجامع - عفا اللَّه تعالى عنه -: فقد أجاد الشيخ الشنقيطي -رحمه اللَّه تعالى- فيما ساقه من الآيات، وبَيَّن ما فيها من الدلالات.

والحاصل أنه قد تبيّن مما تقدّم أن الأرجح هو ما ذهب إليه الجمهور، وهو أيضًا منصوص للإمام الشافعيّ، من أن شرع من قبلنا، إذا قصّه اللَّه تعالى في كتابه، أو قصّه النبيّ - صلى اللَّه عليه وسلم - فيما صحّ عنه، ولم يَرِد في شرعنا ما يخالفه، فإنه يكون شرعًا لنا.

ومن الأدلة القوية لذلك ما أخرجه البخاريّ -رحمه اللَّه تعالى- في "صحيحه" من حديث أبي هريرة - رضي اللَّه عنه -: أن رسول اللَّه - صلى اللَّه عليه وسلم - قال: "بينما رجل يمشي بطريق، اشتد عليه العطش، فوجد بئرا، فنزل فيها، فشرب، ثم خرج، فإذا كلب يَلْهَث يأكل الثرى من العطش، فقال الرجل: لقد بلغ هذا الكلبَ من العطش مثل الذي كان بلغ بي، فنزل البئر، فملأ خفه، ثم أمسكه بفيه، فسقى الكلب، فشكر اللَّه له فغفر له"، قالوا: يا رسول اللَّه، وإن لنا في البهائم أجرا؟ فقال: "نعم في كل ذات كبد رطبة أجر".


(١) - ذكره القرطبيّ في تفسيره هذه الآية.
(٢) - نثر الورود في شرح مراقي السعود ج ١ ص ٣٧٣ - ٣٧٦.