للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

الرواية روى (٥٣٧٤). واللَّه تعالى أعلم.

شرح الحديث

(عَنْ سَعِيدِ بن يَسَارٍ، أَنَّهُ سَمِعَ أَبا هُرَيْرَةَ) - رضي اللَّه عنه - (يَقُولُ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى اللَّه عليه وسلم -: "مَا") نافية (تَصَدَّقَ أَحَدٌ بِصَدَقَةٍ) الباء يكثر زيادتها بعد "ما" النافية، و"ليس"، و"كان المنفيّة بـ "لم"، كما قال ابن مالك في "الخلاصة":

وَبَعْدَ "مَا" و"لَيْسَ" جّرَّ الْبَا الْخَبَرْ وَبَعْدَ "لَا" وَنَفْيِ "كَانَ" قَدْ يُجَرُّ

(مِنْ طَيِّبٍ) أي حلالٍ، وقد يطلق الطيّب على المستلذّ بالطبع، والمراد هنا هو الحلال.

وفي رواية الشيخين: "مَن تصدّق بِعَدْل تمرة من كسب طيّب": أي بقيمتها؛ لأنه بالفتح: المثل، وبالكسر: الِحْمل بكسر المهملة، هذا قول الجمهور، وقال الفرّاء: بالفتح: المثل من غير جنسه، وبالكسر من جنسه، وقيل: بالفتح مثله في القيمة، وبالكسر في النظر. وأنكر البصريّون هذه التفرقة. وقال الكسائيّ: هما بمعنى، كما أنّ لفظ المثل لا يختلف. وضُبط في هذه الرواية للأكثر بالفتح انتهى (١).

وقوله: "من كسب طيّب" أي صناعة، أو تجارة، أو زراعة، أو غيرها، ولو إرثًا، أو هبة. قال الحافظ: معنى الكسب: المكسوبُ، والمراد به ما هو أعمّ من تعاطي التكسّب، أو حصول المكسوب بغير تعاط، كالميراث، وكأنه ذكر الكسب لكونه الغالب في تحصيل المال، والمراد بالطيّب الحلال؛ لأنه صفة الكسب.

وقال القرطبيّ: والكسب الطيّب في هذا الحديث الحلال، وهذا كقوله تعالى: {أَنْفِقُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا كَسَبْتُمْ} [البقرة: ٢٦٧] وقوله: {كُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ} [البقرة: ٥٧] وغيره، وأصل الطيّب المستلذّ بالطبع، ثمّ أُطلق على المطلق بالشرع انتهى (٢).

(وَلَا يَقْبَلُ اللَّهُ -عَزَّ وَجَلَّ-، إِلَّا الطَّيِّبَ) جملة معترضةٌ بين الشرط والجزاء لتقرير ما قبله، وفيه دليل على أن الحلال مقبول. قال السنديّ: هذه الجملة معترضة لبيان أنه لا ثواب في غير الطيّب، لا أن ثوابه دون هذا الثواب، إذ قد يتوهّم من التقييد أنه شرط لهذا الثواب بخصوصه، لا لمطلق الثواب، فمطلق الثواب يكون بدونه أيضًا، فذُكِرَت هذه الجملة دفعًا لهذا التوهّم. ومعنى عَدَم قبوله أنه لا يُثيب عليه، ولا يرضى به. انتهى (٣).


(١) - "فتح" ج ٤ ص ٢٦.
(٢) - "المفهم" ج ٣ ص ٥٨ - ٥٩.
(٣) - "شرح السنديّ" ج ٥ ص ٥٧.