للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

نصّه: وقد قال غير واحد من أهل العلم في هذا الحديث، وما يشبه هذا من الروايات من الصفات، ونزول الربّ تبارك وتعالى، كلَّ ليلة إلى سماء الدنيا، قالوا: قد ثبتت الروايات في هذا، ويُؤمَن بها، ولا يُتَوَهَّم، ولا يقال: كيفَ. هكذا رُوي عن مالك بن أنس، وسفيان بن عيينة، وعبد اللَّه بن المبارك أنهم قالوا في هذه الأحاديث: أَمِرُّوها بلا "كيف". وهكذا قول أهل العلم من أهل السنّة والجماعة.

وأما الجهميّة، فأنكرت هذه الرويات، وقالوا: هذا تشبيه. وقد ذكر اللَّه تبارك تعالى في غير موضع من كتابه اليد، والسمع، والبصر، فتأولت الجهميّة هذه الآيات، وفعمروها على غير ما فسّر به أهلُ العلم، وقالوا: إن اللَّه لم يخلق آدم بيده، وقالوا: إنما معنى اليد القوّة.

وقال إسحاق بن إبراهيم: إنما يكون التشبيه، إذا قال: يدٌ كيدٍ، أو مثلُ يدٍ، أو سمع كسمع، أو مثل سمع، فإذا قال: سمعٌ كسمع، أو مثلُ سمعٍ، فهذا تشبيه، وأما إذا قال كما قال اللَّه: يدٌ، وسمعٌ، وبصرٌ، ولا يقول: كيفَ، ولا يقول: مثلُ سمع ولا كسمع، فهذا لا يكون تشبيهًا، وهو كما قال تبارك وتعالى: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ} انتهى كلام الترمذيّ -رحمه اللَّه تعالى- (١).

وأخرج الإمام البيهقيّ -رحمه اللَّه تعالى-: في "السنن الكبرى" - بعد أن أخرج حديث: "ينزل ربنا -عَزَّ وَجَلَّ- كلّ ليلة إلى سماء الدنيا … " الحديث- عن الوليد بن مسلم، أنه قال: سئل الأوزاعيّ، ومالكٌ، وسفيان الثوريّ، والليث بن سعد، عن هذه الأحاديث التي جاءت في التشبيه؟ فقالوا: أَمِرُّوها كما جاءت بلا كيفيّة.

وأخرج أيضًا عن أبي داود الطيالسيّ، أنه قال: كان سفيان الثوريّ، وشعبة، وحماد ابن زيد، وحماد بن سلمة، وشريك، وأبو عوانة لا يَحِدُون، ولا يُشبّهون، ولا يمثلون، يَرْوُون الحديث، ولا يقولون: كيفَ، وإذا سئلوا أجابوا بالأثر.

قال: أخبرنا أبو عبد اللَّه الحافظ، قال: سمعت أبا محمد أحمد بن عبد اللَّه المزنيّ، يقول: حديث النزول قد ثبت عن رسول اللَّه - صلى اللَّه عليه وسلم - من وجوه صحيحة، وورد في التنزيل ما يصدّقه، وهو قوله تعالى: {وَجَاءَ رَبُّكَ وَالْمَلَكُ صَفًّا صَفًّا}، والنزول، والمجيء صفتان منفيّتان عن اللَّه تعالى من طريق الحركة، والانتقال من حال إلى حال، بل هما صفتان من صفات اللَّه تعالى، بلا تشبيه، جلّ اللَّه تعالى عما تقول المعطّلة لصفاته، والمشبّهة بها علوًّا كبيرًا انتهى كلام البيهقيّ -رحمه اللَّه تعالى- (٢).


(١) - "الجامع" ج ٣ ص ٣٣١ - ٣٣٢.
(٢) - "السنن الكبرى" ج ٢ - ٣ ص ٣.