للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

وقال الإمام المفسّر المحدّث البغويّ في "شرح السنّة" بعد أن أخرج حديث النار، وفيه: "حتى يضع ربّ العزة قدمه"، وفي لفظ: "رجله": ما نصّه: قلت: والقدم، والرجل المذكوران في هذا الحديث من صفات اللَّه -عَزَّ وَجَلَّ- المنزّه عن التكييف والتشبيه، وكذلك كلّ ما جاء من هذا القبيل في الكتاب والسنّة، كاليد، والإصبع، والعين، والمجيء، والإتيان، فالإيمان بها فرض، والامتناع عن الخوض فيها واجبٌ، فالمهتدي من سلك فيها طريق التسليم، والخائض فيها زائغٌ، والمنكر معطلٌ، والمكيّفُ مشبِّهٌ، تعالى اللَّه عمّا يقول الظالمون علوًّا كبيرًا، {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ} انتهى كلام البغويّ -رحمه اللَّه تعالى- (١).

وقال الحافظ الذهبيّ -رحمه اللَّه تعالى- في كتابه "العلوّ للعليّ الغفّار" بعد أن ذكر عدّة آيات من آيات الاستواء والعلوّ: ما نصّه: فإن أحببت يا عبد اللَّه الإنصاف، فقف مع نصوص القرآن والسنّة، ثم انظر ما قاله الصحابة، والتابعون، وأئمّة التفسير في هذه الآيات، وما حكوه من مذاهب السلف … إلى أن قال: فإننا على اعتقادٍ صحيحٍ، وعقدٍ متينٍ من أن اللَّه تعالى، تقدس اسمه، لا مثل له، وأن إيماننا بما ثبت من نعوته كإيماننا بذاته المقدّسة، إذ الصفات متابعة للموصوف، فنعقل وجود الباري، ونميّز ذاته المقدسة عن الأشباه، من غير أن نعقل الماهيّة، فكذلك القول في صفاته، نؤمن بها، ونتعقل وجودها، ونعلمها في الجملة من غير أن نتعقلها، أو نكيّفها، أو نمثّلها بصفات خلقه، تعالى اللَّه عن ذلك علوًّا كبيرًا انتهى المقصود من كلام الحافظ الذهبيّ -رَحِمَهُ اللَّهُ- تعالى (٢).

وقال الحافظ -رحمه اللَّه تعالى- في "الفتح": قال شهاب الدين السهرورديّ في كتاب العقيدة له: أخبر اللَّه في كتابه، وثبت عن رسوله - صلى اللَّه عليه وسلم - الاستواء، والنزول، والنفس، واليد، والعين، فلا يُتصرّف فيها بتشبيه، ولا تعطيل، إذ لولا إخبار اللَّه، ورسوله ما تجاسر عقل أن يحوم حول ذلك الحمى.

قال الطيبيّ: هذا هو المذهب المعتمد، وبه يقول السلف الصالح.

وقال غيره: لم ينقل عن النبيّ - صلى اللَّه عليه وسلم -، ولا عن أحد من أصحابه، من طريق صحيح التصريح بوجوب تأويل شيء من ذلك، ولا المنع من ذكره، ومن المحال أن يأمر اللَّه نبيّه - صلى اللَّه عليه وسلم - بتبليغ ما أُنزل إليه من ربّه، وُينْزِل عليه: {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ} الآية [المائدة: ٣]، ثم يترك هذا الباب، فلا يميّز ما يجوز نسبته إليه مما لا يجوز، مع حضّه


(١) - "شرح السنّة" ج ١٦ ص ٢٥٧ - ٢٥٨.
(٢) - راجع "تحفة الأحوذيّ" ج ٣ ص ٣٣١.