للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

الركوع والسجود، وبه قالت الشافعيّة، والحنفيّة، وهو الحقّ، لهذا الحديث، ولما رواه مسلم في "صحيحه"، من حديث جابر - رضي اللَّه عنه -: أن رسول اللَّه - صلى اللَّه عليه وسلم - قال: "أفضل الصلاة طول القنوت". يعني القيام. وقد تقدّم تمام البحث في هذا في "كتاب الصلاة" - في باب "أقربُ ما يكون العبد من اللَّه - صلى اللَّه عليه وسلم -"، فراجعه تستفد.

(قِيلَ: "فَأَيُّ الصدقَةِ أَفْضَلُ؟ قَالَ: " جُهْدُ الْمُقِلِّ") "الجهد" -بالضمّ-: الوسع والطاقة، - وبالفتح-: المشقة والغاية، والمراد هنا الأول. و"المقلّ" -بضمّ الميم، وكسر القاف، وتشديد اللام-: الفقير الذي معه شيء قليل من المال: أي إن أفضل الصدقة هو الذي يتصدّق به قليل المال على قدر طاقته، ووسعه. وإنما كانت صدقة المقلّ أفضل من صدقة الغنيّ؛ لأن الفقير يتصدّق بما هو محتاجٌ إليه، بخلاف الغنيّ، فإنه يتصدّق بفضول ماله. وهذا نظير الحديث التالي: "سبق درهم مائة ألف درهم … " الحديث.

ولا تنافي بينه وبين حديث أبي هريرة الآتي في-٥٣/ ٢٥٣٤ - مرفوعًا: "خير الصدقة ما كان عن ظهر غنى … " الحديث. فإن حديث الباب محمول على قويّ الإيمان الذي يصبر على الفاقة، ويكتفي بأقلّ الكفاية. والحديث الآتي محمول على ضعيف الإيمان.

ويحتمل أن يكون المراد بالغنى غنى القلب الذي يصبر صاحبه على الجوع، والشدّة، وهو المراد بالمقلّ في حديث الباب، فيكون المعنى: أن تصدق الفقير الغنيّ القلب، ولو كان قليلًا، أفضل من تصدّق الغنيّ بكثير من ماله، فهو يدلّ على أن الفقير الصابر أفضل من الغنيّ الشاكر، وأنّ عبادة الأول مع قلّتها أفضل من عبادة الثاني، مع كثرتها (١). وسيأتي تمام البحث في هذا في الباب المذكور، إن شاء اللَّه تعالى.

(قِيلَ: فَأَيُّ الْهِجْرَةِ أَفْضَلُ؟) أي أيّ أنواع الهجرة أفضل. و"الهجرة" في الأصل مأخوذة من الْهَجْر -بفتح، فسكون- ضدِّ الوصل، ثمّ غلبت على الخروج من أرض إلى أرض، فإن كان خرج للَّه، فهي الهجرة الشرعيّة، وتطلق أيضًا على ترك المحرّمات، وهي المرادة هنا، كما أشار إليها

بقوله (قَالَ) - صلى اللَّه عليه وسلم - (مَن هَجَرَ مَا حَرَّمَ اللَّهُ -عَزَّ وَجَلَّ-") الكلام على حذف مضاف، أي هجرة من هجر الخ، يعني أن ترك الشخص الأمر الذي حرّمه اللَّه -عَزَّ وَجَلَّ- هو أفضل أنواع الهجرة.

وقال في "الفتح" عند شرح حديث عبد اللَّه بن عَمْرو - رضي اللَّه عنهما -، مرفوعًا: "والمهاجر من هجر ما نهى اللَّه عنه": ما نصّه: وهذه الهجرة ضربان، ظاهرة، وباطنة، فالباطنة ترك ما


(١) - راجع "المنهل" ج ٨ ص ٩٥ - ٩٦.