للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

تدعو إليه النفس الأمّارة بالسوء، والشيطانُ، والظاهرة الفرار بالدين من الفتن، وكأنّ المهاجرين خوطبوا بذلك لئلّا يتكلوا على مجرّد التحوّل من دارهم، حتى يمتثلوا أوامر الشرع، ونواهيه.

وَيحتمل أن يكون ذلك قيل بعد انقطاع الهجرة، لَمّا فُتحت مكّة؛ تطييبًا لقلوب من لم يدرك ذلك، بل حقيقة الهجرة تحصل لمن هجر ما نهى اللَّه عنه انتهى (١).

(قِيلَ: فَأَيُّ الْجِهَادِ أَفْضَلُ؟) أي أيّ أنواع الجهاد أفضل؟ (قَالَ) - صلى اللَّه عليه وسلم - (مَنْ جَاهَدَ الْمُشْرِكِينَ بِمَالِهِ، وَنَفْسِهِ) هو على حذف مضاف أيضًا، أي جهادُ مَن جاهد الخ. يعني أن جهاد من جاهد المشركين بماله ونفسه أفضل من غيره.

ولا تنافي بينه وبين حديث أبي سعيد الخدريّ - رضي اللَّه عنه -، مرفوعًا: "أفضل الجهاد كلمة حقّ عند سلطان جائر". رواه أبو داود، والترمذيّ، وابن ماجه. وهو حديث حسنٌ بشواهده؛ لأن الأفضلية نسبيّةٌ، أي بالنسبة للكلام، فإن المؤمن يجاهد بلسانه، كما يجاهد بيده، فتكون كلمة الحقّ عند سلطان جائر أفضل جهاد المؤمن المتعلّق بلسانه. ويحتمل أن تكون "من" مقدّرة، أي من أفضل الجهاد.

والحاصل أن جهاد المؤمن للمشركين بنفسه وماله أفضل أنواع الجهاد على الإطلاق. واللَّه تعالى أعلم.

(قِيلَ: فَأَيُّ القَتْلِ أَشْرَفُ؟) أي أيّ أنواع القتل أشرف؟. وفي نسخة: "فأيّ القتل أفضل؟ " (قَالَ) - صلى اللَّه عليه وسلم - (مَن أُهَرِيقَ دَمُهُ) هو على حذف مضاف أيضًا، أي قتل من أهريق الخ. و"أهريق" بالبناء للمفعول، بمعنى "أُريق"، أي صَبّ. قال الفيّوميّ: راق الماءُ والدمُ رَيقًا، من باب باع: انصبّ، ويتعدّى بالهمزة، فيقال: أراقه صاحبه، والفاعل مُرِيقٌ، والمفعولُ مُراقٌ، وتبدل الهمزة هاءً، فيقال: هراقه، والأصل هَرْيَقَه، وزان دحرجه، ولهذا تفتح الهاء من المضارع، فيقال: يُهَريقه، كما تُفتح الدّالّ من يُدَحرجه، وتفتح من الفاعل، والمفعول أيضًا، فيقال: مُهَرِيقٌ، ومُهَراقٌ، قال امرؤ القيس [من الطويل]:

وِإنَّ شِفَائِي عَبرَةٌ مُهَرَاقَةٌ … فَهَلْ عِنْدَ رَسْمِ دَارِسٍ مِنْ مُعَوَّلِ

والأمرُ هَرِقْ ماءَكَ، والأصل هَرْيِقْ، وزان دَحْرِجْ. وقد يُجمع بين الهاء والهمزة، فيقال: أهراقه يُهرِيقه، ساكن الهاء، تشبيهًا له بـ "أسطاع يُسْطِيع"، كأنّ الهمزة زيدت عوضًا عن حركة الياء في الأصل، ولهذا لا يصير الفعل بهذه الزيادة خماسيًّا. انتهى


(١) - "فتح" ج ١ ص ٧٨.