للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

أن فيه رواية تابعي، عن تابعي عند من قال: إن منصورًا من صغار التابعين. واللَّه تعالى أعلم.

شرح الحديث

(عَنْ أَبِي مَسْعُودٍ) عقبة بن عمرو - رضي اللَّه عنه - أنه (قَالَ: "كَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى اللَّه عليه وسلم -، يَأْمُرُنَا بِالصَّدَقَةِ) أي بعد أن نزل قوله تعالى: {خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ} الآية؛ لما في رواية البخاريّ من طريق سليمان الأعمش، عن أبي وائل، عن أبي مسعود - رضي اللَّه عنه -، قال: لما نزلت آية الصدقة، كنّا نُحامل … " الحديث (فَمَا يَجِدُ أَحَدُنَا شَيْئًا، يَتَصَدَّقُ بِهِ) أي لفقره (حَتَّى يَنْطَلِقَ إِلَى السُّوقِ، فَيَحْمِلَ عَلَى ظَهْرِهِ) أي يحمل أمتعة الناس بالأَجرة؛ لأجل أن يتصدّق، فينال الأجر الموعود للمتصدّقين من أموالهم القليلة، حيث إن أجرها أعظم من أجر صدقة كثير المال، كما سبق في الأحاديث الماضية (فَيَجِيءَ بِالْمُدِّ) أي مما أصابه من أجرة حمله (فَيُعْطِيَهُ رَسُولَ اللَّهِ - صلى اللَّه عليه وسلم -) أي ليتصدّق به على المستحقّين (إِنِّي لَأَعْرِفُ الْيَوْمَ، رَجُلًا لَهُ مِائَةُ أَلْفٍ) قال في "الفتح": ولم يذكر مميّز مائة ألف، فيحتمل أن يريد الدراهم، أو الدنانير، أو الأمداد انتهى (١) (مَا كَانَ لَهُ يَوْمَئِذٍ) أي في عهد النبيّ - صلى اللَّه عليه وسلم - (دِرْهَمٌ) زاد في رواية البخاريّ في "التفسير": "كأنه يُعرِّض بنفسه". وأخرجه ابن مردويه، من وجه آخر، فقال في آخره: "وإن لأحدهم اليوم لمائة ألف، قال شقيق: كأنه يعرّض بنفسه". وأخرجه الإسماعيلي، من وجه آخر، وزاد في آخر الحديث: "قال الأعمش: وكان أبو مسعود قد كثر ماله".

قال ابن بطّال: يريد أنهم كانوا في زمن الرسول - صلى اللَّه عليه وسلم - يتصدّقون بما يجدون، وهؤلاء مكثرون، ولا يتصدّقون. قال الحافظ: كذا قال، وهو بعيد. وقال الزين ابن المنيّر: مراده أنهم كانوا يتصدّقون مع قلّة الشيء، ويتكلفون ذلك، ثم وسّع اللَّه عليهم، فصاروا يتصدّقون من يسر، ومع عدم خشية عسر.

قال الحافظ: ويحتمل أن يكون مراده أن الحرص على الصدقة الآن لسهولة مأخذها بالتوسّع الذي وُسّع عليهم أولى من الحرص عليها مع تكلّفهم، أو أراد الإشارة إلى ضيق العيش في زمن الرسول - صلى اللَّه عليه وسلم -، وذلك لقلّة ما وقع من الفتوح والغنائم في زمانه، وإلى سعة عيشهم بعده؛ لكثرة الفتوح والغنائم انتهى (٢). واللَّه تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب، وهو المستعان، وعليه التكلان.


(١) - "فتح" ج ٩ ص ٢٣١.
(٢) - المصدر السابق.