(منها): ما بوّب له المصنّف -رحمه اللَّه تعالى-، وهو كون اليد العليا -وهي المنفقة خيرًا من اليد السفلى -وهي السائلة-كما سيأتي تمام البحث فيه بعد باب، إن شاء اللَّه تعالى. (ومنها): ما قاله المهلّب: إن سؤال السلطان الأكبر ليس بعار (ومنها): أن السائل إذا ألحف لا بأس بردّه، وموعظته، وأمره بالتعفف، وترك الحرص (ومنها): أن الإنسان لا يسأل إلا عند الحاجة والضرورة؛ لأنه إذا كانت يده السفلى مع إباحة المسألة، فهو أحرى أن يمتنع من ذلك عند غير الحاجة (ومنها): أن من كان له حقّ عند أحد، فإنه يأخذه إذا أتى، فإن كان مما لا يستحقه إلا ببسط اليد فلا يجبر على أخذه (ومنها): ما قاله ابن أبي جمرة: قد يقع الزهد مع الأخذ، فإن سخاوة النفس هو زهدها، تقول: سَخَتْ بكذا: أي جادت، وسخت عن كذا: أي لم تلتفت إليه (ومنها): أن الأخذ مع سخاوة النفس يُحصِّل أجر الزهد، والبركة في الرزق، فظهر أن الزهد يُحَصِّل خيري الدنيا والآخرة (ومنها): ضرب المثل لما لا يعقله السامع من الأمثلة؛ لأن الغالب من الناس لا يعرف البركة إلا في الشيء الكثير، فبيّن بالمثال المذكور أن البركة هي خلق من خلق اللَّه تعالى، وضرب لهم المثل بما يعهدون، فالآكل إنما يأكل ليشبع، فإذا أكل، ولم يشبع، كان عَناءً في حقّه بغير فائدة، وكذلك المال، ليست الفائدة في عينه، وإنما هي لما يتحصّل به من المنافع، فإذا كثر المال عند المرء بغير تحصيل منفعة، كان وجوده كالعدم (ومنها): أنه ينبغي للإمام أن لا يبيّن للطالب ما في مسألته من المفسدة إلا بعد قضاء حاجته؛ لتقع موعظته له الموقع؛ لئلا يتخيّل أن ذلك سبب لمنعه حاجته (ومنها): جواز تكرار السؤال ثلاثًا، وجواز المنع في الرابعة (ومنها): أن ردّ السائل بعد ثلاث ليس بمكروه (ومنها): أن الإجمال في الطلب مقرون بالبركة.
وزاد إسحاق بن راهويه في "مسنده" من طريق معمر، عن الزهريّ في آخره:"فمات حين مات، وإنه لمن أكثر قريش مالًا". وفيه أيضًا سبب ذلك، وهو أن النبيّ - صلى اللَّه عليه وسلم - أعطى حكيم بن حزام دون ما أعطى أصحابه، فقال: يا رسول اللَّه، ما كنت أظنّ أن تُقَصِّرَ بي، دون أحد من الناس، فزاده، ثم استزاده حتى رضي"، فذكر نحو الحديث. قاله في "الفتح" (١). واللَّه تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب.
"إن أريد إلا الإصلاح، ما استطعت، وما توفيقي إلا باللَّه، عليه توكلت، وإليه أنيب".
…
(١) - "فتح" ج ٤ ص ٩٩ - ١٠٠. "عمدة القاري" ج ٩ ص ٥٣.