"الإشراف" على الشيء: الاطلاع عليه، والتعرّض له. وقيل: معنى إشراف النفس أن المسؤول يُعطيه عن تكرّه. وقيل: يريد به شدّة حرص السائل، وإشرافه على المسألة (لَمْ يُبَارَكْ لَهُ فِيهِ) الضمير في "له" يرجع إلى الآخذ، وفي "فيه" إلى المال المأخوذ، وإنما لم يبارك له فيه؛ لأنه لم يمنع نفسه عن المسألة التي هي مذمومة شرعًا، ولم يصُنْ ماء وجهه، فعوقب بعدم البركة فيما أخذ (وَكَانَ كَالَّذِي يَأْكُلُ، وَلَا يَشْبَعُ) أي لا ينقطع اشتهاؤه، فيبقى في حيرة الطلب على الدوام، ولا يقضي شهواته التي لأجلها طلبُهُ، فكان كمن به الجوع الكاذب، المسمَّى بجوع الكلب، كلما ازداد أكلًا ازداد جوعًا؛ لأنه يأكل من سقم، وكلما أكل زاد سقمًا، ولا يجد شبعًا، ويزعم أهل الطبّ أن ذلك من غلبة السوداء، ويسمّونها الشهوة الكلبية، وهي صفة لمن يأكل، ولا يشبع (١).
(وَالْيَدُ الْعُلْيَا) هي المنفقة على الصواب، كما صحّ تفسيره بذلك في الحديث الآتي قريبًا (خَيْرٌ مِنَ الْيَدِ السُّفْلَى) هي السائلة على الصواب أيضًا، وسيأتي بيان اختلاف أهل العلم في تفسير هذه الجملة بعد باب، إن شاء اللَّه تعالى.
وزاد في الرواية الآتيةِ في -٩٣/ ٢٦٠٣ - :"قال حكيمٌ: فقلت: يا رسول اللَّه، والذي بعثك بالحقّ، لا أَرْزَأ أحدًا بعدك حتى أفارق الدنيا بشيء". ونحوه في رواية للبخاري، وزاد:"فكان أبو بكر - رضي اللَّه عنه - يدعو حكيمًا إلى العطاء، فيأبى أن يقبله منه، ثم إن عمر - رضي اللَّه عنه - دعاه ليعطيه، فأبى أن يقبل منه شيئًا، فقال عمر: إني أُشهدكم يا معشر المسلمين على حكيمِ، أنّي أَعرِضُ عليه حقّه من هذا الفيء، فيأبى أن يأخذه، فلم يرزأ حكيمٌ أحدًا من الناس بعد رسول اللَّه - صلى اللَّه عليه وسلم - حتى توفّي". واللَّه تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب، وهو المستعان، وعليه التكلان.
مسائل تتعلّق بهذا الحديث:
(المسألة الأولى): في درجته:
حديث حكيم بن حزام - رضي اللَّه عنه - هذا متفقٌ عليه.
(المسألة الثانية): في بيان مواضع ذكر المصنّف له، وفيمن أخرجه معه:
أخرجه هنا-٥٠/ ١٢٥٣ و ٩٣/ ٢٦٠١ و ٢٦٠٢ و ٢٦٠٣ - وفي "الكبرى" ٥٢/ ٢٣١٠ و ٩٥/ ٢٣٨٢ و ٢٣٨٣ و ٢٣٨٤. وأخرجه (خ) في "الزكاة" ١٤٢٨ و ١٤٧٢ و "الوصايا" ٢٧٥٠ و"فرض الخمس" ٣١٤٣ و"الرقاق" ٦٤٤١ (م) في "الزكاة" ١٠٣٤ و ١٠٣٥ (د) في "الزكاة" ١٦٧٦ (ت) في "صفة القيامة" ٢٤٦٣ (أحمد) في "مسند المكّيّين" ١٤٨٩٣ و ١٤٩٠٢ و ١٥١٤٦ (الدارميّ) في "الزكّاة" ١٦٥٠ و"الرقاق" ٢٧٥٠. واللَّه تعالى أعلم.