للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

ابن عبد البرّ: رواية مالك أولى، وأشبه بالأصول، ويؤيده حديث طارق المحاربيّ، عند النسائيّ، قال: قدمنا المدينة، فإذا النبيّ - صلى اللَّه عليه وسلم - قائم على المنبر، يخطب الناس، وهو يقول: "يد المعطي العليا" انتهى. ولابن أبي شيبة، والبزّار، من طريق ثعلبة بن زهدم مثله. وللطبرانيّ بإسناد صحيح، عن حكيم بن حزام، مرفوعًا: "يد اللَّه فوق يد المعطي، ويد المعطي فوق يد المعطَى، ويد المعطَى أسفل الأيدي". وللطبرانيّ من حديث الجذاميّ، مرفوعًا مثله. ولأبي داود، وابن خزيمة، من حديث أبي الأحوص عوف بن مالك، عن أبيه، مرفوعًا: "الأيدي ثلاثة: فيد اللَّه العليا، ويد المعطي التي تليها، ويد السائل السفلى". ولأحمد، والبزّار، من حديث عطية السعديّ: "اليد المعطية هي العليا، والسائلة هي السفلى".

[تنبيه]: هذه الأحاديث كلها واضحة في أن التفسير المذكور مرفوع، قال القرطبيّ -رحمه اللَّه تعالى-: وقع تفسير اليد العليا والسفلى في حديث ابن عمر هذا، وهو نصّ يرفع الخلاف، ويدفع تعسّف من تعسّف في تأويله انتهى.

قال الحافظ -رحمه اللَّه تعالى-: لكن ادعى أبو العبّاس الدانيّ في "أطراف الموطإ" أن التفسير المذكور مدرجٌ في الحديث، ولم يذكر مستنده لذلك، ثم وجدت في "كتاب العسكري في الصحابة" بإسناد له، فيه انقطاعٌ، عن ابن عمر أنه كتب إلى بشر بن مروان أني سمعت النبيّ - صلى اللَّه عليه وسلم -: "اليد العليا خير من اليد السفلى، ولا أحسب اليد السفلى إلا السائلة، ولا العليا إلا المعطية". فهذا يشعر بأن التفسير من كلام ابن عمر، ويؤيّده ما رواه ابن أبي شيبة من طريق عبد اللَّه بن دينار، عن ابن عمر، قال: "كنا نتحدّث أن العليا هي المنفقة" انتهى (١).

قال الجامع - عفا اللَّه تعالى عنه -: عندي أن دعوى الإدراج المذكور غير صحيحة؛ لأن الحديث اتفق عليه الشيخان، مرفوعًا، وما ذكره الحافظ مما يؤيّد الدعوى المذكورة، فغير مقبول؛ لأن ما نقله من كتاب العسكري منقطع، كما اعترف هو به، وكذا ما نقله عن ابن أبي شيبة، ففي سنده سفيان الثوريّ، وهو وإن كان إمامًا، إلا أنه مدلّسٌ، وقد رواه بالعنعنة (٢)، فكيف يُعارَض بمثل هذا ما اتفق الشيخان على صحته مرفوعًا؟، فتبصّر بالإنصاف، ولا تتحيّر بالاعتساف. واللَّه تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب، وهو المستعان، وعليه التكلان.


(١) - "فتح" ج ٤ ص ٤٩.
(٢) - انظر "مصنّف ابن أبي شيبة" ج ٣ ص ٢١١.