للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

بالتصغير (مَوْلَى آبِي اللَّحْم) الغفاريّ - رضي اللَّه عنه - (قَالَ: أَمَرَنِي مَوْلَايَ أَنْ أُقَدِّدَ لَحْمًا) بضم الهمرّة، وكسر الدال المشدَّدة، من القَدّ، وهو الشقّ طولًا (فَجَاءَ مِسْكِينٌ، فَأَطْعَمْتُهُ مِنْهُ) أي أعطيته من ذلك اللحم (فَعَلِمَ بِذَلِكَ مَوْلَايَ، فَضَرَبَنِي، فَأَتَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صلى اللَّه عليه وسلم -، فَدَعَاهُ، فَقَالَ: "لِمَ ضَرَبْتَهُ؟ "، فَقَالَ) وفي نسخة: "قال" (يُطْعِمُ طَعَامِي، بغَيْرِ أَنْ آمُرَهُ) أي بغير إذني (وَقَال مَرَّةً أُخْرَى: بغَيْرِ أَمْرِي) الظاهر أنّ ضمير "قال" لعمير، أي أنه حدّثه بهذا الحديث مرّتين، فمرّة قال: "بغير أن آمره"، ومرّة قال: "بغير أمري" (قَالَ) - صلى اللَّه عليه وسلم - ("الْأَجْرُ بَيْنَكُمَا") أي إن رضيت بذلك يحلّ له إعطاء مثل هذا، مما يجري فيه المسامحة، وتؤجران معًا. قال الطيبيّ أخذًا عن التوربشتيّ: لم يرد به إطلاق يد العبد، بل كره صنيع مولاه في ضربه على أمر تبيّن رشده فيه، فحثّ السيّد على اغتنام الأجر، والصفح عنه، فهذا تعليم، وإرشاد لآبي اللحم، لا تقرير لفعل العبد انتهى.

وقال النوويّ: هذا محمول على أن عميرًا تصدق بشيء ظن أن مولاه يرضى به، ولم يرض به مولاه، فلعمير أجرٌ؛ لأنه فعل شيئًا يعتقده طاعة بنيّة الطاعة، ولمولاه أجرٌ؛ لأن ماله أُتلف عليه، وقوله: "الأجر بينكما": أي لكلّ منكما أجرٌ، وليس المراد أنّ أجر نفس المال يتقاسمانه. فهذا الذي ذكرته من تأويله هو المعتمد، وقد وقع في كلام بعضهم ما لا يُرتضى من تفسيره.

وقال قبل ذلك: وقوله - صلى اللَّه عليه وسلم -: "الأجر بينكما": ليس معناه أن الأجر الذي لأحدهما يزدحمان فيه، بل معناه أن هذه الصدقة التي أخرجها الخازن، أو المرأة، أو المملوك، ونحوهم بإذن المالك يترتّب على جملتها ثوابٌ على قدر المال والعمل، فيكون ذلك مقسومًا بينهما، لهذا نصيبٌ بماله، ولهذا نصيبٌ بعمله، فلا يزاحم صاحب المال العامل في نصيب عمله، ولا يزاحم العامل صاحب المال في نصيب ماله.

(واعلم): أنه لا بد للعامل، وهو الخازن، وللزوجة، والمملوك من إذن المالك في ذلك، فإن لم يكن أذن أصلًا، فلا أجر لأحد من هؤلاء الثلاثة، بل عليهم وزرٌ بتصرّفهم في مال غيرهم بغير إذنه، والإذن ضربان: أحدهما: الإذن الصريح في النفقة، والصدقة. والثاني: الإذن المفهوم من اطّراد العرف والعادة، كإعطاء السائل كسرةً ونحوها، مما جرت العادة به، واطّرد العرف فيه، وعُلم رضاء الزوج، والمالك به، فإذنه في ذلك حاصلٌ، وإن لم يتكلّم، وهذا إذا عُلم رضاه لاطراد العرف، وعُلم أن نفسه كنفوس غالب الناس في السماحة بذلك، والرضا به، فإن اضطرب العرف، وشُكّ في رضاه، أو كان شخصًا يشحّ بذلك، وعُلم من حاله ذلك، أو شكّ فيه، لم يجز للمرأة، وغيرها التصدّق مما ماله إلا بصريح إذنه. انتهى (١).


(١) - "شرح مسلم" ج ٧ ص ١١٤.