للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

قضاء الحاجة، أو عدمها، أي إنْ قضيتُها، أو لم أقضها، فهو بتقدير اللَّه تعالى وقضائه (١).

(تُشَفَّعُوا) بالبناء للمفعول، من التشفيع، أي تُقبَلْ شفاعتكم أحيانًا، فتكون سببًا لقضاء حاجة المحتاج، فإذا قصدتم ذلك يكون لكم أجر على الشفاعة. وفي رواية "الصحيحين": "اشفعوا تؤجروا"، وهي في حديث معاوية - رضي اللَّه تعالى عنه - التالي، وهي ظاهرة.

والمعنى: اشفعوا يحصلْ لكم الأجر مطلقًا، سواء قُضيت الحاجة، أو لا.

وما هنا أيضًا له وجه صحيحٌ، كما بينّاه آنفًا. واللَّه تعالى أعلم.

(وَيَقْضِي اللَّهُ -عَزَّ وَجَلَّ-) وفي رواية للبخاريّ: "وليقض اللَّه"، وفي رواية لمسلم: "فليقض". قال القرطبيّ: لا يصحّ أن تكون هذه اللام لام الأمر؛ لأنّ اللَّه لا يُؤمر، ولا لام "كي"؛ لأنه ثبت في الرواية "وليقض" بغير ياء مدّ، ثم قال: يحتمل أن تكون بمعنى الدعاء، أي اللَّهمّ اقض، أو الأمرُ هنا بمعنى الخبر. انتهى.

قال الجامع - عفا اللَّه تعالى عنه -: الوجه الثاني عندي أظهر. واللَّه تعالى أعلم.

(عَلَى لِسَانِ نَبِيِّهِ) - صلى اللَّه عليه وسلم - (مَا شَاءَ) أي إنّ اللَّه سبحانه وتعالى يقضي للمشفوع له على لسان نبيّه - صلى اللَّه عليه وسلم - ما شاء من قضاء حاجاته، أو عدم قضائها، يعني أن المطلوب منكم حصول الشاعة، حتى يحصل لكم الأجر، وأما قضاء الحاجة، وعدم قضائها فموكول إلى اللَّه سبحانه وتعالى.

قال النوويّ -رحمه اللَّه تعالى-: فيه استحباب الشفاعة لأصحاب الحوائج المباحة، سواء كانت الشفاعة إلى سلطان، ووالٍ، ونحوهما، أو إلى أحد من الناس، وسواء كانت الشفاعة إلى سلطان في كفّ ظلم، أو إسقاط تعزيرٍ، أو في تخليص عطاء لمحتاج، أو نحو ذلك، وأما الشفاعة في الحدود فحرامٌ، وكذا الشفاعة في تتميم باطلٍ، أو إبطال حقّ، ونحو ذلك، فهي حرامٌ انتهى (٢).

وقال القرطبيّ -رحمه اللَّه تعالى-: وهذه الشفاعة المذكورة في الحديث هي في الحوائج، والرغبات للسلطان، وذوي الأمر والجاه، كما شهد به صدر الحديث، ومَسَاقه، ولا يخفى ما فيها من الأجر والثواب؛ لأنها من باب صنائع المعروف، وكشف الكرب، ومعونة الضعيف؛ إذ ليس كلّ أحد يقدر على الوصول إلى السلطان، وذوي الأمر، ولذلك كان النبيّ - صلى اللَّه عليه وسلم - يقول مع تواضعه، وقربه من الصغير والكبير؛ إذ كان لا يحتجب، ولا يُحجَبُ: "أبلغوني حاجة من لا يستطيع إبلاغها" (٣). وهذا معنى قوله


(١) - راجع "الفتح" ج ١٢ ص ٦٦.
(٢) - راجع "شرح مسلم" ج ١٦ ص ٣٩٣ - ٣٩٤.
(٣) - أخرجه الطبرانيّ من حديث أبي الدرداء - رضي اللَّه تعالى عنه -، بلفظ: "أبلغوا حاجة من لا يستطيع إبلاغ حاجته، فمن أبلغ سلطانًا حاجة من لا يستطيع إبلاغها، ثبّت اللَّه قدميه على الصراط يوم القيامة". وهو حديث ضعيف. انظر "ضعيف الجامع الصغير" ص ٩.