للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

فذهب طائفة إلى أن الإسرار بالصدقة مطلقًا أفضل، وهو ظاهر مذهب البخاريّ- كما يأتي قريبًا - والمصنّفِ -رحمهما اللَّه تعالى-، وإليه ذهبت الظاهريّة.

وذهبت طائفة إلى أن الإسرار في التطوّع أفضل، بخلاف الفرض، فإعلانه أفضل، وهو مذهب الجمهور.

قال الإمام أبو محمد بن حزم -رحمه اللَّه تعالى-: إظهار الصدقة -الفرض، والتطوّع- من غير أن ينوي بذلك رياءً حسنٌ، وإخفا ذلك أفضل، وهو قول أصحابنا. وقال مالك: إعلان الفرض أفضل انتهى.

وقد ترجم الإمام البخاريّ -رحمه اللَّه تعالى- في "صحيحه" بنحو ترجمة المصنّف، فقال: "باب صدقة السّرّ".

ثم استدلّ عليه بقوله: وقال أبو هريرة - رضي اللَّه تعالى عنه -، عن النبيّ - صلى اللَّه عليه وسلم -: "ورجلٌ تصدق بصدقة، فأخفاها حتى لا تعلم شماله ما صنعت يمينه". وقوله: {إِنْ تُبْدُوا الصَّدَقَاتِ فَنِعِمَّا هِيَ وَإِنْ تُخْفُوهَا وَتُؤْتُوهَا الْفُقَرَاءَ فَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ} الآية [البقرة: ٢٧١].انتهى.

وحديث أبي هريرة - رضي اللَّه تعالى عنه - الذي أشار إليه هو ما أخرجه الشيخان، وغيرهما من طريق حفص بن عاصم، عن أبي هريرة - رضي اللَّه عنه -، عن النبيّ - صلى اللَّه عليه وسلم -، قال: "سبعة يظدهم اللَّه تعالى في ظله، يوم لا ظل إلا ظله: إمام عدل، وشاب نشأ في عبادة اللَّه، ورجل قلبه معلق في المساجد، ورجلان تحابا في اللَّه، اجتمعا عليه، وتفرقا عليه، ورجل دعته امرأة، ذات منصب وجمال، فقال: إني أخاف اللَّه، ورجل تصدق بصدقة، فأخفاها، حتى لا تعلم شماله ما تنفق يمينه، ورجل ذكر اللَّه خاليا، ففاضت عيناه".

وقال في "الفتح": والحديث أقوى الأدلّة على أفضليّة إخفاء الصدقة، وأما الآية، فظاهرة في تفضيل صدقة السر أيضًا.

ولكن ذهب الجمهور إلى أنها نزلت في صدقة التطوّع، ونقل الطبريّ وغيره الإجماع (١) على أن الإعلان في صدقة الفرض أفضل من الإخفاء، وصدقة التطوّع على العكس من ذلك.

وخالف يزيد بن أبي حبيب، فقال: إن الآية نزلت في الصدقة على اليهود والنصارى، قال: فالمعنى إن تؤتوها أهل الكتابين ظاهرةً، فلكم فضل، وإن تؤتوها


(١) - دعوى الإجماع غير صحيحة، كما سيأتي.