للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

فقراءهم سرًّا، فهو خيرٌ لكم، وأما ما أعطى فقراء المسلمين من زكاة، وصدقة تطوّع، فإخفاؤه أفضل من علانيته (١).

ونقل أبو إسحاق الزّجّاج أنّ إخفاء الزكاة في زمن النبيّ - صلى اللَّه عليه وسلم - كان أفضل، فأما بعده فإن الظنّ يُساء بمن أخفاها، فلهذا كان إظهار الزكاة المفروضة أفضل. قال ابن عطيّة: ويشبه في زماننا أن يكون الإخفاء بصدقة الفرض أفضل، فقد كثر المانع لها، وصار إخراجها عُرْضةً للرياء انتهى.

وأيضًا فكان السلف يُعطون زكاتهم للسعاة، وكان من أخفاها اتُّهِم بعدم الإخراج، وأما اليوم فصار كلّ أحد يُخرج زكاته بنفسه، فصار إخفاؤها أفضل.

وقال ابن المنيّر -رحمه اللَّه تعالى-: لو قيل: إنّ ذلك يختلف باختلاف الأحوال لما كان بعيدًا، فإذا كان الإمام مثلًا جائرًا، ومالُ من وجبت عليه مخفيًّا، فالإسرار أولى، وإن كان المتطوّع ممن يُقتدَى به، ويتبع، وتنبعث الهمم على التطوّع بالإنفاق، وسَلِمَ قصده، فالإظهار أولى انتهى (٢).

وقال القرطبيّ: قوله: "ورجل تصدّق بصدقة، فأخفاها" هذه صدقة التطوّع في قول ابن عبّاس، وأكثر العلماء. وهو حضّ على الإخلاص في الأعمال، والتستّر بها، ويستوي في ذلك جميع أعمال البرّ التطوّعيّة، فأما الفرائض فالأولى إشاعتها، وإظهارها؛ لتنحفظ قواعد الدين، ويجتمع الناس على العمل بها، فلا يضيع منها شيء، ويظهر بإظهارها جمال دين الإسلام، وتُعلم حدوده وأحكامه، والإخلاص واجبٌ في جميع القرب، والرياء مفسد لها انتهى (٣).

وقال أبو جعفر الطبريّ بعد أن ذكر الخلاف السابق: ما نصّه: ولم يخصص اللَّه من قوله: {إِنْ تُبْدُوا الصَّدَقَاتِ فَنِعِمَّا هِيَ} شيئًا دون شيء، فذلك على العموم، إلا ما كان من زكاة واجبة، فإن الواجب من الفرائض قد أجمع الجميع على أن الفضل في إعلانه، وإظهاره، سوى الزكاة التي ذكرنا اختلاف المختلفين فيها، مع إجماع جميعهم على أنها واجبة، فحكمها في أن الفضل في أدائه علانية، حكم سائر الفرائض غيرها انتهى (٤).

قال الجامع - عفا اللَّه تعالى عنه -: قد تبين بما ذكر من الأقوال أن دعوى الإجماع على أن الإعلان في صدقة الفرض أفضل غير صحيحة؛ لما علمت من الخلاف فيه أيضًا.


(١) - انتهى "فتح" بزيادة من "تفسير الطبريّ" ج ٥ ص ٥٨٣.
(٢) - راجع "الفتح" ج ٤ ص ٣٨ - ٤٠.
(٣) - راجع "المفهم" ج ٣ ص ٧٦.
(٤) - "تفسير الطبريّ" ج ٥ ص ٥٨٣ - ٥٨٤. تحقيق محمود محمد شاكر.