الْقِيَامَةِ) خصّ يوم القيامة؛ لأنها مَظهَرُ الرحمة واللطف. هذا كلّه فيما إذا ماتوا قبل التربة، فأما إذا تابوا، وماتوا، فإن اللَّه تعالى يتوب عليهم (الْعَاق لِوَالِدَيْهِ) أي المقصّر في أداء الحقوق إليهما. يقال: عقَّ الولد أباه عُقُوقًا، من باب قَعَدَ: إذا عصاه، وترك "الإحسان إليه، فهو عاقّ، والجمعُ عَقَقَةٌ، كبَار وَبَرَرَة (وَالْمَرْأَةُ الْمُتَرَجِّلَةُ) أي التي تتشبّه بالرجال في زِيِّهم، وهيئاتهم، فأما في العلم والرأي، فمحمود. قاله ابن الأثير (١).
(وَالدَّيُّوثُ) بالثاء المثلّثة: هو الذي لا غيرة له على أهله. من داث الشيءُ دَيْثًا، من باب باع: لَانَ، وسَهُل، ويُعَدَّى بالتثقيل، فيقال: دَيَّثَه غيرُهُ، والدِّياثَةُ فعله. قاله الفيّوميّ. وقيل: هو سريانيّ مُعَرَّب. قاله في "زهر الربى". وفي رواية لأحمد في "مسنده": "والديّوث الذي يُقِرّ في أهله الْخُبْث".
(وَثَلَاثةٌ لَا يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ) أي لاستحلالهم الذنوب التي ارتكبوها، فيكون على ظاهره، أو المراد لا يدخلون الجنّة دخولًا أوّليًّا، بل بعد تقدّم العذاب لهم، إن لم يستحلّوها. وهذا كله فيما إذا ماتوا قبل التوبة، كما تقدّم (الْعَاقُ لِوَالِدَيْهِ) تقدم تفسيره قريبًا (وَالْمُدْمِنُ عَلَى الْخَمْرِ) أي المديم لشربها (وَالْمَنانُ بِمَا أَعْطَى") وفي نسخة: "والمنّان عطاءه".
قال القرطبيّ -رحمه اللَّه تعالى-: "المنّان": فَعّالٌ من الْمَنّ، وقد فسّره في الحديث، فقال:"هو الذي لا يُعطي شيئًا إلا منّه". أي إلا امتنّ به على المعطَى له، ولا شكّ في أن الامتنان بالعطاء مبطلٌ لأجر الصدقة والعطاء، مؤذٍ للمعطَى له، ولذلك قال تعالى:{لَا تُبْطِلُوا صَدَقَاتِكُمْ بِالْمَنِّ وَالْأَذَى}[البقرة: ٢٦٤]. وإنما كان المنّ كذلك؛ لأنّه لا يكون غالبًا إلا عن البخل، والعجب، والكبر، ونسيان منّة اللَّه تعالى فيما أنعم به عليه، فالبخيل يُعظّم في نفسه العطيّةَ، وإن كانت حقيرة في نفسها، والعجبُ يحمله على النظر لنفسه بعين العظمة، وأنّه مُنعم بماله على الْمُعطَى له، ومتفضِّلٌ عليه، وإن كان له عليه حقّ يجب عليه مراعاته، والكبر يحمله على أن يحتقر المعطَى له، وإن كان في نفسه فاضلًا، ومُوجِب ذلك كلّه الجهل، ونسيان منّة اللَّه تعالى فيما أنعم به عليه، إذ قد أنعم عليه مما يُعطي، ولم يَحْرِمه ذلك، وجعله ممن يُعطي، ولم يجعله ممن يسأل، ولو نظر ببصيرته لعلم أن المنّة للآخذ؛ لما يُزيل عن المعطي من إثم المنع، وذمّ المانع، ومن الذنوب، ولما يحصل له من الأجر الجزيل، والثناء الجميل.
وقيل: المنّان في هذا الحديث هو من المنّ الذي هو القطع، كما قال اللَّه تعالى: