ولفظ الترمذيّ: رجلٌ معتزلٌ في غُنيمة له، يؤدّي حقّ اللَّه فيها". وهو تصغير غَنَم، وهو مؤنّث سماعيّ، ولذلك صُغّر بالتاء، والمراد قطعة من الغنم، وفيه إشارة إلى قلّتها.
قال الحافظ أبو عمر -رحمه اللَّه تعالى-: إنما وردت الأحاديث بذكر الشِّعْب، والجبل؛ لأن ذلك في الأغلب يكون خاليًا من الناس، فكلّ موضع يبعد عن الناس، فهو داخلٌ في المعنى. انتهى.
(يُقِيمُ الصَّلَاةَ، وَيُؤْتِي الزَّكَاةَ) زاد في رواية "الموطّإ": ويعبد اللَّه، لا يشرك به شيئًا"
(وَيعْتَزِلُ شُرُورَ النَّاسِ) يحتمل أن تكون الإضافة فيه بمعنى اللام، فيكون المعنى: يبتعد عن إيصال شروره للناس، فيكون بمعنى حديث أبي سعيد الخدريّ - رضي اللَّه عنه - عند الشيخين:"ويَدَعُ الناس من شرّه". والمراد أن من أسباب اعتزاله عن الناس أن لا يصيب أحدًا من المسلمين بسوء.
ويحتمل أن تكون الإضافة بمعنى "من"، ويكون المعنى: يبتعد عن وصول الشرور من الناس إليه. واللَّه تعالى أعلم.
قال الباجيّ -رحمه اللَّه تعالى-: فمنزلة هذا منزلة بعد منزلة المجاهد من أفضل المنازل؛ لأداء الفرائض، وإخلاصه للَّه تعالى العبادة، وبُعْده عن الرياء والسمعة، إذا خفي، ولم يكن ذلك شهرة له؛ ولأنه لا يؤذي أحدًا، ولا يذكره، ولا تبلغ درجته درجة المجاهد؛ لأن المجاهد يذبّ عن المسلمين، ويجاهد الكافرين حتى يُدخلهم في الدين، فيتعدّى فضله إلى غيره، ويكثر الانتفاع به، وهذا المعتزل لا يتعدّى نفعه إلى غيره.
وفي حديث أبي سعيد الخدريّ - صلى اللَّه عليه وسلم -: قيل: يا رسول اللَّه، أيّ الناس أفضل؟، فقال رسول اللَّه - صلى اللَّه عليه وسلم -: "مؤمن يجاهد في سبيل اللَّه بنفسه وماله"، قالوا: ثم من؟ قال:"مؤمن في شِعْب من الشعاب، يتقي اللَّه، ويَدَعُ الناسَ من شره". متّفق عليه.
قال الحافظ -رحمه اللَّه تعالى-: وإنما كان المؤمن المعتزل يتلو المجاهد في الفضيلة؛ لأنّ الذي يُخالط الناس لا يَسلَم من ارتكاب الآثام، فقد لا يفي هذا بهذا، وهو مقيّدٌ بوقوع الفتن. انتهى بتصرّف (١).