للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

وَلَا يُعْطِي بِهِ) يحتمل بناء الفعلين للفاعل، ويكون المعنى: يسأل غيره بحقّ اللَّه، ثمّ إذا سئل هو به لا يُعطي، بل يَنكُص، ويبخل. ويحتمل بناء الأول للمفعول: أي يسأله غيرُهُ باللَّه، فلا يجيب، يعني أنه يسأله صاحب حاجة، بأن يقول له: أعطني باللَّه، وهو يقدر، ولا يُعطيه شيئًا، بل يردّه خائبًا.

قال الطيبيّ -رحمه اللَّه تعالى-: الباء فيه كالباء في "كتبتُ بالقلم"، أي يسأل بواسطة ذكر اسم اللَّه تعالى. أو هي للقسم، والاستعطاف، أي يقول السائل: أعطني شيئًا بحقّ اللَّه تعالى. وقال ابن حجر الهيتميّ -رحمه اللَّه تعالى-: أي مُقْسِمًا عليه باللَّه، استعطافًا إليه، وحملًا له على الإعطاء، بأن يقال له: بحقّ اللَّه أعطني كذا للَّه، ولا يعطي مع ذلك شيئًا، أي والصورة أنه مع قدرته عَلِمَ اضطرار السائل إلى ما سأله. وعلى هذا يُحمل قول الْحَلِيميّ -رحمه اللَّه تعالى-، أخذًا من هذا الحديث وغيره: إنّ ردّ السائل بوجه اللَّه كبيرة انتهى (١).

واختار السنديّ -رحمه اللَّه تعالى- الاحتمال الأوّل، واستبعد الثاني، حيث قال:

قوله: "الذي يسأل باللَّه" على بناء الفاعل، أي الذي يجمع بين القبيحين: أحدهما: السؤال باللَّه. والثاني: عدم الإعطاء لمن يسأل به تعالى، فما يُراعي حرمة اسمه تعالى في الوقتين جميعًا. وأما جعله مبنيًّا للمفعول، فبعيد، إذ لا صُنْعَ للعبد في أن يسأله السائل باللَّه، فلا وجه للجمع بينه وبين ترك الإعطاء في هذا المحلّ، والوجه في إفادة ذلك المعنى أن يقال: الذي لا يعطي إذا سئل باللَّه ونحوه. واللَّه تعالى أعلم. انتهى (٢).

قال الجامع - عفا اللَّه تعالى عنه -: هذا الذي استبعده السنديّ عندي غير مستبعد، فإنّ المعنى عليه صحيح أيضًا، ووجه ذلك أن معناه: شرّ الناس هو الذي يُسأل باللَّه تعالى، أي يسأله الناس شيئًا مما يقدر عليه باللَّه تعالى، ثم لا يعطيهم ما سألوه باللَّه تعالى.

والحاصل أن الاحتمالين صحيحان. واللَّه تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب، وهو المستعان، وعليه التكلان.

مسائل تتعلّق بهذا الحديث:

(المسألة الأولى): في درجته:

حديث ابن عبّاس - رضي اللَّه تعالى عنهما - هذا صحيح.


(١) - راجع "المرعاة" ج ٦ ص ٣١٣.
(٢) - راجع "شرح السندي" ج ٥ ص ٨٥.