للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

وقد كتب الإمام الحافظ أبو عمر ابن عبد البرّ -رحمه اللَّه تعالى- في كتابه "التمهيد" بحثًا نفيسًا فيما يتعلّق بالعزلة، أحببت إيراده هنا تتميمًا للفائدة، وتكميلًا للعائدة، وهاك خلاصته:

قال- عند شرح حديث الباب-: ما حاصله: في الحديث حضّ على الانفراد عن الناس، واعتزالهم، والفرار عنهم. قال: وقد فضّلها رسول اللَّه - صلى اللَّه عليه وسلم -كما ترى، وفضّلها جماعة العلماء والحكماء، لا سيّما في زمن الفتن، وفساد الناس، وقد يكون الاعتزال عن الناس مرّةً في الجبال والشعاب، ومرّةً في السواحل والرباط، ومرّةً في البيوت. وقد جاء في غير هذا الحديث: "إذا كانت الفتنة، فأَخْف مكانَك، وكُفَّ لسانك" (١). ولم يخصّ موضعًا من موضع. وقد قال عقبة بن عامر - رضي اللَّه عنه - لرسول اللَّه - صلى اللَّه عليه وسلم - ما النجاة يا رسول اللَّه؟ فقال: "يا عقبة أمسك عليك لسانك، وليسعك بيتك، وابك على خطيئتك" (٢). وبمثل هذا أوصى ابن مسعود - رضي اللَّه عنه - رجلًا، قال له: أوصني.

ثم أخرج أبو عمر بسنده أنّ ابن مسعود - رضي اللَّه عنه - أُهدي له طائرٌ، فقال: وددتُ أني حيث صِيد هذا الطائر، لا يكلّمني أحدٌ، ولا أكلّمه.


(١) - رواه أحمد في "مسنده" مطوّلا، ونصّه:
٤٢٧٤ - حدثنا عبد الرزاق، قال: أخبرنا معمر، عن رجل، عن عمرو بن وابصة الأسدي، عن أبيه، قال: إني بالكوفة في داري، إذ سمعت على باب الدار السلام عليهم، أألج؟، قلت: - عليهم السلام -، فَلِجْ، فلما دخل، فإذا هو عبد اللَّه بن مسعود، قلت: يا أبا عبد الرحمن، آية ساعة زيارة هذه، وذلك في نحر الظهيرة، قال: طال على النهار، فذكرت من أتحدث إليه، قال: فجعل يحدثني عن رسول اللَّه - صلى اللَّه عليه وسلم -، وأحدثه، قال: ثم أنشأ يحدثني، قال: سمعت رسول اللَّه - صلى اللَّه عليه وسلم - يقول: "تكون فتنة، النائم فيها خير من المضطجع، والمضطجع فيها خير من القاعد، والقاعد فيها خير من القائم، والقائم فيها خير من الماشي، والماشي خير من الراكب، والراكب خير من المجري، قتلاها كلها في النار"، قال: قلت: يا رسول اللَّه، ومتى ذلك؟ قال: "ذلك أيام الهرج"، قلت: ومتى أيام الهرج؟ قال: "حين لا يأمن الرجل جليسه"، قال: قلت: فما تأمرني إن أدركت ذلك؟ قال: "اكفف نفسك ويدك، وادخل دارك"، قال: قلت: يا رسول اللَّه، أرأيت إن دخل رجل عليّ داري، قال: "فادخل بيتك"، قال: قلت: أفرأيت إن دخل عليّ بيتي؟ قال: "فادخل مسجدك، واصنع هكذا"، وقبض بيمينه على الكوع، وقل: "ربي اللَّه حتى تموت على ذلك".
حدثنا علي بن إسحاق أخبرنا عبد اللَّه يعني ابن المبارك أخبرنا معمر عن إسحاق بن راشد عن عمرو بن وابصة الأسدي.
قال الجامع - عفا اللَّه تعالى عنه -: رجال هذا الإسناد ثقات، فإن الرجل المبهم في السند الأول سمي في الثاني بأنه إسحاق بن راشد، وهو ثقة، وعمرو بن وابصة، وثّقه ابن حبّان، لكن في إسناد أبي داود زاد سالمًا بين إسحاق بن راشد وبين عمرو بن وابصة، فالحديث ضعيف.
(٢) - رواه الترمذيّ، والبيهقيّ، وهو ضعيف؛ لأن في سنده علي بن يزيد الألهانيّ، وهو ضعيف.