أكلتُ لُقْمةً بلَقْمَتين. انتهى.
وفي الرواية التالية: "ليس المسكين بهذا الطّوّاف الذي يطوف على الناس، ترُدُّهُ اللقمة، واللقمتان، والتمرة، والتمرتان"، قالوا: فما المسكين؟، قال: "الذي لا يَجد غنًى يُغنيه … ". وفي رواية البخاريّ: "ليس المسكين الذي تردّه الأكلة، والأكلتان، ولكنّ المسكين الذي ليس له غنى، ويستحيي"، أو "لا يسأل الناس إلحافًا".
وقوله: "الأكلة، والأكلتان". قال أهل اللغة: الأُكلة -بالضمّ-: اللقمة، و -بالفتح-: المرّة من الغداء، والعشاء. والموافق هنا المضموم، بدليل رواية المصنّف "اللقمة، واللقمتان".
(إِنَّ الْمِسْكِينَ) أي الكامل في المسكنة (الْمُتَعَفِّفُ) أي الممتنع عن المسألة، بمعنى أنه لا يسأل الناس مع احتياجه تعفّفًا، ولذا أتبعه بقوله (اقْرَءُوا إِنْ شِئْتُمْ) أي إن شئتم أن تعلموا الدليل على هذا فاقرءوا قوله تعالى ({لَا يَسْأَلُونَ النَّاسَ إِلْحَافًا} [البقرة: ٢٧٣]) قال السمين الحلبيّ -رحمه اللَّه تعالى-: الإلحاف، والإلحاح، واللَّجَاج، والإحفاء، كلّه بمعنًى، يقال: ألحف، وألحّ في المسألة: إذا لجّ فيها. قال: واشتقاقه من اللِّحَاف؛ لأنه يشتمل الناس بمسألته، ويعمّهم، كما يشتمل اللّحاف مَنْ تحتَهُ وُيغطّيه. ومنه قول ابن أحمر يصف ذَكَر نَعَام يَحضُنُ بيضه بجناحيه، ويجعل جناحه لها كاللِّحاف [من الكامل]:
يَظَلُّ يَحُفّهُنَ بِقَفْقَفَيْهِ (١) … وَيُلْحِفُهُنَّ هَفْهَافًا ثَخِينَا
وقال آخر في المعنى [من الرمل]:
ثُمَّ رَاحُوا عَبَقُ الْمِسْكِ بِهمْ … يُلْحِفُونَ الأَرْضَ هُدَّابَ الأُزُرْ
أي يُلبسونها الأرض كإلباس اللحاف للشيء. وقيل: با اشتقاق اللفظة من لَحْفِ الجبلِ، وهو المكان الخَشِنُ، ومجازه أنّ السائل لكثرة سؤاله كأنه استعمل الخشونة في مسألته. وقيل: بل هي من لَحَفَني فلانٌ: أي أعطاني فضل ما عنده، وهو قريبٌ من معنى الأول. قال: وفي نصب {إِلْحَافًا} ثلاثة أوجه:
(أحدهما): نصبه على المصدر بفعل مقدر، أي يُلحفون إلحافًا، والجملة المقدّرة حالٌ من فاعل {يَسْأَلُونَ}.
(الثاني): أن يكون مفعولًا من أجله: أي لا يسألون لأجل الإلحاف.
(الثالث): أن يكون مصدرًا في موضع الحال، تقديره: لا يسألون ملحفين.
أي إلحاحًا، يقال: ألحف عليّ، وألحّ، وأحفاني بالمسألة بمعنًى واحد. وقال أبو
(١) - قفقفا الطائر: جناحاه.