أي لم يُطق الطيران، فصار بمنزلة من انقطع صلبه، ولَصِق بالأرض. ذهب إلى هذا الأصمعيّ، وغيره، وحكاه الطحاويّ عن الكوفيين، وهو أحد قولي الشافعيّ، وأكثرِ أصحابه.
(الثالث): أنّ الفقير والمسكين سواء، لا فرق بينهما في المعنى، وإن افترقا في الاسم، وإلى هذا ذهب الشافعيّ في أحد قوليه، وابن القاسم، وسائر أصحاب مالك، وبه قال أبو يوسف.
قال القرطبيّ: ظاهر اللفظ يدلّ على أن المسكين غير الفقير، وأنهما صنفان، إلا أنّ أحد الصنفين، أشدّ حاجة من الآخر، فمن هذا الوجه يقرب قول من جعلهما صنفًا واحدًا. ولا حجّة في قول من احتجّ بقوله:{أَمَّا السَّفِينَةُ فَكَانَتْ لِمَسَاكِينَ}؛ لأنه يحتمل أن تكون مستأجرة لهم؛ كما يقال: هذه دار فلان إذا كان ساكنها، وإن كانت لغيره، وقد قال اللَّه تعالى في وصف أهل النار:{وَلَهُمْ مَقَامِعُ مِنْ حَدِيدٍ}، فأضافها إليهم، وقال تعالى:{وَلَا تُؤْتُوا السُّفَهَاءَ أَمْوَالَكُمُ}، وقال - صلى اللَّه عليه وسلم -: "من باع عبدًا، وله مالٌ"، وهو كثير جدًّا يُضاف الشيء إليه، وليس له، ومنه قولهم: باب الدار، وجُلُّ الدابّة، وسَرْجُ الفرس، وشبهه، ويجوز أن يُسمَّوا مساكين على جهة الرحمة والاستعطاف؛ كما يقال لمن امتُحِنَ بنكبة، أو دُفع إلى بليّة مسكين، وفي الحديث:"مساكين أهل النار"، وقال الشاعر [من الطويل]:
وأما ما تأوّلوه من قوله - عليه السلام -: "اللَّهم أحييني مسكينًا" الحديث. رواه أنس، فديس كذلك؛ وإنما المعنى ههنا التواضع للَّه الذي لا جبروت فيه، ولا نخوّة، ولا كِبْر، ولا بَطَرَ، ولا تكبّر، ولا أَشَرَ، ولقد أحسن أبو العَتَاهية، حيث قال [من البسيط]:
وليس بالسائل؛ لأنّ النبيّ - صلى اللَّه عليه وسلم - قد كره السؤال، ونهى عنه، وقال في امرأة سوداء أبت
(١) - لُبَد اسم آخر نُسُورِ لقمان بن عاد، سماه بذلك لأنه لبد، فبقي لا يذهب، ولا يموت، والقوادم أربع ريشات في مقدّم الجناح، الواحدة قادة. من هامش القرطبيّ ج ٨ ص ١٨٩.