للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

(ومنها): أن المسكنة إنما تُحمد مع العفّة عن السؤال، والصبر على الحاجة (ومنها): استحباب الحياء في كلّ الأحوال (ومنها): أن فيه دليلًا لمن يقول: إن الفقير أسوأ حالًا من المسكين، وأن المسكين الذي له شيء، لكنه لا يكفيه، بخلاف الفقير فإنه الذي لا شيء له، كما سيأتي توجيهه، إن شاء اللَّه تعالى (ومنها): حسن الإرشاد لوضع الصدقة، وأن يُتحرّى وضعها فيمن صفته التعفّف، دون الإلحاح. واللَّه تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب.

(المسألة الرابعة): اختلاف أهل العلم في الفرق بين الفقير والمسكين:

قال العلّامة القرطبيّ -رحمه اللَّه تعالى- في "تفسيره": واختلف علماء اللغة، وأهل الفقه في الفرق بين الفقير والمسكين على تسعة أقوال:

(الأول): ما ذهب إليه يعقوب بن السّكّيت، والْقُتَبيّ، ويونس بن حبيب من أنّ الفقير أحسن حالًا من المسكين، قالوا: الفقير هو الذي له بعض ما يكفيه، وُيقيمه، والمسكين الذي لا شيء له، واحتجّوا بقول الراعي [من البسيط]:

أَمَّا الْفَقِيرُ الَّذِي كَانَتْ حَلُوبَتُهُ … وَفْقَ الْعِيَالِ فَلَمْ يُتْرَكْ لَهُ سَبَدُ (١)

وذهب إلى هذا قومٌ من أهل اللغة، والحديث، منهم أبو حنيفة، والقاضي عبد الوهّاب. والوفق من الموافقة بين الشيئين كالالتحام؛ يقال: حَلُوبته وفقَ عياله، أي لها لَبَنٌ قدرَ كفايتهم، لا فضل فيه. قاله الجوهريّ.

(الثاني): ذهب آخرون إلى أن المسكين أحسن حالًا من الفقير. واحتجّوا بقوله تعالى: {أَمَّا السَّفِينَةُ فَكَانَتْ لِمَسَاكِينَ يَعْمَلُونَ فِي الْبَحْرِ} الآية، فأخبر أنّ لهم سفينةً من سُفُن البحر، وربّما ساوت جملةً من المال، وعضدوه بما روي عن النبيّ - صلى اللَّه عليه وسلم - أنه تعوّذ من الفقر. وروي عنه أنه قال: "اللَّهمّ أحييني مسكينًا، وأمتني مسكينًا" (٢)، فلو كان المسكين أسوأ حالًا من الفقير لتناقض الخبران؛ إذ يستحيل أن يتعوّذ من الفقر، ثمّ يسأل ما هو أسوأ حالًا منه، وقد استجاب اللَّه دعاءه، وقُبِض، وله مالٌ مما أفاء اللَّه عليه، ولكن لم يكن معه تمام الكفاية؛ ولذلك رَهَنَ دِرْعَه، قالوا: وأمّا بيت الراعي، فلا حجّة فيه؛ لأنه إنما ذكر أن الفقير كانت له حَلُوبةٌ في حالٍ. قالوا: والفقير معناه في كلام العرب المفقور الذي نُزِعت فِقَرُهُ (٣) من ظهره من شدّة الفقر، فلا حال أشدّ من


(١) - السَّبّدُ بالتحريك: القليل.
(٢) - أخرجه الترمذيّ في "جامعه"، بسند ضعيف.
(٣) - الفقرة -بالكسر- والفَقْرة، والفقارة-بالفتح: ما انتضد من عظام الصلب، من لدن الكاهل إلى العجب.