للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

(لَا يُجَاوِزُ حَنَاجِرَهُمْ) جمع حَنْجَرَة، وهي رأس الْغَلْصَمة (١)، حيث تراه ناتئًا من خارج الحلق (٢).

قال القاضي عياض -رحمه اللَّه تعالى-: فيه تأويلان:

أحدهما: معناه: لا تفهمه قلوبهم، ولا ينتفعون بما تلوا منه، ولا لهم حظّ سوى تلاوة الفم، والحنجرة، والحلق، إذ بهما تقطيع الحروف.

والثاني: معناه: لا يصعد لهم عملٌ، ولا تلاوةٌ، ولا يُتقبّل انتهى (٣).

(يَقْتُلُونَ أَهْلَ الْإسلَامِ، وَيَدَعُونَ أَهْلَ الْأوثَانِ) قال القرطبيّ -رحمه اللَّه تعالى-: هذا منه - صلى اللَّه عليه وسلم - إخبار عن أمرٍ غيبٍ، وقِع نحوَ ما أخبر عنه، فكان دليلًا من أدلّة نبوّته - صلى اللَّه عليه وسلم -، وذلك أنهم لَمّا حَكَموا بكفر مَن خرَجُوا عليه من المسلمين، استباحوا دماءهم، وتركوا أهل الذّمّة، وقالوا: نفي بذمّتهم، وعَدَلُوا عن قتال المشركين، واشتغلوا بقتال المسلمين عن قتال المشركين. وهذا كلّه من آثار عبادات الجهّال الذين لم يشرح اللَّه صدورهم بنور العلم، ولم يتمسّكوا بحبل وثيق، ولا صَحِبهم في حالهم ذلك توفيق، وكفى بذلك أن مُقَدَّمهم ردّ على رسول اللَّه - صلى اللَّه عليه وسلم - أمره، ونَسَبَه إلى الْجَوْر، ولو تبصّر لأبصر عن قرب أنه لا يُتَصَوَّر الظلم والْجَوْر في حقّ رسول اللَّه - صلى اللَّه عليه وسلم -، كما لا يُتصوّر في حقّ اللَّه تعالى؛ إذ الموجودات كلّها ملكٌ للَّه تعالى، ولا يستحقّ أحد عليه حقًّا، فلا يُتصوّر في حقّه شيءٌ من ذلك، والرسول مُبلّغٌ حكمَ اللَّه تعالى، فلا يُتصوّر في حقّه من ذلك ما لا يتصوّر في حقّ مُرْسِلِه.

ويكفيك من جهلهم، وغُلُوّهم في بدعتهم حكمُهُم بتكفير مَن شهد له رسول اللَّه - صلى اللَّه عليه وسلم - بصحّة إيمانه، وبأنه من أهل الجنّة، كعليّ، وغيره، من صحابة رسول اللَّه - صلى اللَّه عليه وسلم -، مع ما وَقَعَ في الشريعة، وعُلم على القطع والثبات من شهادات اللَّه، ورسوله لهم، وثنائه على عليّ، والصحابة عمومًا وخصوصًا انتهى كلام القرطبيّ (٤).

(يَمْرُقُونَ مِنَ الْإسْلَامِ) بضم الراء، يقال: فرَقَ السهمُ مُرُوقًا، من باب قعد: إذا خرج منه من الجانب الآخر. أي يخرجون من الإسلام خروجَ السهم إذا نفذ الصيدَ من جهة أخرى، ولم يتعلّق به شيء منه.


(١) - الغَلْصَمَة: اللحم بين الرأس والعنق، أو الْعُجْرة على مُلتقى اللَّهاة والْمَريء، أو رأس الحلقوم بشواربه، وحَرْقَدَته، أو أصل اللسان انتهى "القاموس".
(٢) - "النهاية في غريب الحديث" ج ١ ص ٤٤٩.
(٣) - انظر "شرح مسلم للنوويّ" ج ٧ ص ١٦٠.
(٤) - انظر "المفهم" ج ٣ ص ١١٤ - ١١٥.