للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

وفي رواية عمارة بن القعقاع، عن ابن أبي نُعم: "من الدين" بدل الإسلام. قال في "الفتح": وفي قوله: "من الإسلام" ردّ على من أوّل "الدين" هنا بالطاعة، وقال: إن المراد أنهم يخرجون من طاعة الإمام، كما يخرج السهم من الرّمِيّة. وهذه صفة الخوارج الذين كانوا لا يطيعون الخلفاء.

قال الجامع - عفا اللَّه تعالى عنه -: الصواب أن المراد بخروجهم من الدين، خروجهم من الإسلام، الذي قال اللَّه تعالى فيه: {إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الْإِسْلَامُ}، كما فسّرته رواية المصنّف، إذ الرواية يفسّر بعضها بعضًا. واللَّه تعالى أعلم.

(كَمَا يَمْرُقُ السَّهْمُ مِنَ الرَّمِيَّةِ) بفتح الراء، وتشديد التحتانيّة: أي الصيد الْمَرْمِيّ. قال الفيّوميّ: الرَّمِيّةُ ما يُرمَى من الحيوان، ذكرًا كان أو أنثى، والجمع رَمِيَّات، ورَمَايا، مثلُ عَطِية، وعَطِيّات، وعَطَايا، وأصلها فَعِيلة بمعنى مفعولة. انتهى.

شبّهَ مروقهم من الإسلام بالسهم الذي يُصيب الصيد، فيدخل فيه، ويخرج منه، ومن شدّة سرعة خروجه لقوّة الرامي، لا يَعْلَق به من جسد الصيد شيء (١).

وفي رواية للبخاريّ من طريق أبي سلمة بن عبد الرحمن، عن أبي سعيد الخدريّ - رضي اللَّه تعالى عنه -: فقال عمر: يا رسول اللَّه، ائذن لي فيه، فأضربَ عنقه، فقال: "دعه، فإن له أصحابا، يَحقِر أحدكم صلاته مع صلاتهم، وصيامه مع صيامهم، يقرءون القرآن، لا يجاوز تراقيهم، يمرقون من الدين، كما يمرق السهم من الرمية، يُنظَر إلى نَصْلِه، فلا يوجد فيه شيء، ثم يُنظر إلى رِصَافه، فما يوجد فيه شيء، ثم ينظر إلى نَضِيِّهِ -وهو قِدْحُهُ- فلا يوجد فيه شيء، ثم يُنظَر إلى قُذَذه، فلا يوجد فيه شيء، قد سَبَقَ الفرثَ والدمَ، آيتهم رجل أسود، إحدى عضديه مثل ثدي المرأة"، أو "مثل البَضْعَة، تَدَرْدَر، ويخرجون على حين فُرْقَة من الناس".

قال أبو سعيد: فأشهد أني سمعت هذا الحديث، من رسول اللَّه - صلى اللَّه عليه وسلم -، وأشهد أن عليّ بن أبي طالب قاتلهم، وأنا معه، فأمر بذلك الرجل، فالتُمِس، فأُتي به، حتى نظرتُ إليه، على نَعْتِ النبيّ - صلى اللَّه عليه وسلم -، الذي نعته".

وقوله: "في نَصْله" أي حديدة السهم. و"رِصَافه" بكسر الراء، ثم مهملة، ثم فاء: عَصَبه الذي يكون فوق مدخل النّصل. والرِّصَاف جمعٌ، واحده رَصَفَة بحركات.

و"نَضِيّه" بفتح النون، وحكي ضمّها، وبكسر المعجمة، بعدها تحتانيّةٌ ثقيلة: القِدْح - بكسر، فسكون -كما فُسّر في الحديث- أي عود السهم قبل أن يُراش، وُينصّل.


(١) - "فتح" ج ٨ ص ٣٢٥.