للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

ما تحمّله منه، وُيعطى من الصدقة قدر ما يبرأ به ذمّته، ويخرج من عهدة ما تضمّنه منه.

وأما النوع الأول من نوعي أهل الحاجة، فهو رجل أصابته جائحةٌ في ماله، فأهلكته، والجائحة في غالب العرف هي ما ظهر من الآفات، كالسيل يُغرق متاعه، والنار تُحرقه، والبرد يُفسد زرعه، وثماره، ونحو ذلك من الأمور، وهذه أشياء لا تخفى آثارها عند كونها، ووقوعها، فإذا أصاب الرجل شيء منها، فذهب ماله، وافتقر، حلّت له المسألة، ووجب على الناس أن يُعطوه الصدقة من غير بينة، يطالبونه بها على ثبوت فقره، واستحقاقه إياها.

وأما النوع الآخر، فإنما هو فيمن كان له ملك ثابتٌ، وعُرف له يسار ظاهر، فادعى تَلَفَ ماله من لص طَرَقه، أو خيانة ممن أودعه، أو نحو ذلك من الأمور التي لا يبين لها أثرٌ ظاهر في المشاهدة والعيان، فإذا كان ذلك، ووقعت في أمره الرِّيبة في النفوس لم يعط شيئًا من الصدقة إلا بعد استبراء حاله، والكشف عنه بالمسألة من أهل الاختصاص به، والمعرفة بشأنه، وذلك معنى قوله: "حتى يقول ثلاثة من ذوي الحجا من قومه: قد أصابت فلانًا الفاقة"، واشتراطه الحجا تأكيد لهذا المعنى، أي لا يكونون من أهل الغباوة والغفلة، ممن يخفى عليهم بواطن الأمور، ومعانيها، وليس هذا من باب الشهادة، ولكن من باب التبيّن والتعرّف، وذلك أنه لا مدخل لعدد الثلاثة في شيء من الشهادات، فإذا قال نفر من قومه، أو جيرانه، أو من ذوي الخبرة بشأنه: إنه صادق فيما يدّعيه، أُعطي الصدقة.

قال الجامع - عفا اللَّه تعالى عنه -: قوله: "ليس من باب الشهادات" فيه نظر لا يخفى. واللَّه تعالى أعلم.

(ومنها): أنّ فيه من العلم أن من ثبت عليه حقّ عند حاكم، فطلب المحكوم له حبسه، وادعى المحكوم عليه الإفلاس، والفقر، لا تسمع دعواه إلا ببيّنة، إن كان المحكوم عليه به لزمه بدل مال حصل في يده، كثمن مبيع، وقرض لثبوت غناه بحصول المبيع، والقرض في يده، وتُقبل دعواه الإفلاس فيما ليس بدل مال، كبدل الغصب، وضمان المتلفات، ونفقة من يلزمه الإنفاق عليه، فلا يُحبس فيما ذكر إن ادّعى الفقر؛ لأن الأصل في الآدميّ العسر، وقد قال اللَّه تعالى: {فَنَظِرَةٌ إِلَى مَيْسَرَةٍ} الآية. إلا إذا بَرْهَن خصمه أنّ له مالا، فيحبس حسبما يراه القاضي؛ لقوله - صلى اللَّه عليه وسلم -: "مَطْلُ الغنيّ ظلم". متّفق عليه. وقوله - صلى اللَّه عليه وسلم -: "لَيُّ الواجد يُحلّ عرضه، وعقوبته" حديث حسن، أخرجه أحمد، وأبو داود، والمصنّف، وابن ماجه.

وهذا إذا لم يكن له مالٌ ظاهرٌ، وإلا انتزع منه الحقّ، إن كان من جنسه، أو بيع عليه، إن لم يكن من جنسه. واللَّه تعالى أعلم.

(ومنها): أنه يدلّ على جواز نقل الصدقة من بلدة إلى أخرى، حيث قال: "أقم حتى