للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

ولفظ البخاريّ: "إن أكثر ما أخاف عليكم ما يُخرج اللَّه لكم من بركات الأرض"، قيل: وما بركات الأرض؟ قال: "زهرة الدنيا".

(مِنْ زَهْرَةٍ) بيان لـ "ما". قال في "اللسان": وزَهْرة الدنيا -بفتح الزاي، وسكون الهاء-، وفتحها-: حُسنها، وبَهْجتها، وغَضَارتها. وفي التنزيل العزيز: {زَهْرَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا}. قال أبو حاتم: زَهَرة الدنيا -بالفتح-، وهي قراءة العامّة بالبصرة، قال: وزَهْرة هي قراءة أهل الحرمين، وأكثر الآثار على ذلك انتهى (١).

وقال في "الفتح": "الزهرة" -بفتح الزاي، وسكون الهاء-، وقد قُرىء في الشاذّ عن الحسن وغيره بفتح الهاء، فقيل: هما بمعنى، مثلُ جَهْرَة، وجَهَرَة. وقيل: بالتحريك جمع زاهر، كفاجر وفَجَرَة. والمراد بالزهرة الزينة، والبهجة، كما في الحديث، والزهرة مأخوذة من زهرة الشجر، وهو نَوْرُها -بفتح النون- والمراد ما فيها من أنواع المتاع، والعين، والثياب، والزرع، وغيرهما مما يفتخر الناس بحسنه مع قلّة البقاء انتهى (٢).

(وَذَكَرَ الدُّنْيَا، وَزِينَتَهَا) الظاهر أن الفاعل ضمير النبيّ - صلى اللَّه عليه وسلم -، أي ذكر لفظ "الدنيا، وزينتها" مع لفظة "زهرة"، ولكن الراوي لم يحفظ كيفية ذكر هذين اللفظين معها، مع أنه يحفظ ذكر الجميع. ولفظ البخاريّ: "زهرة الدنيا" بالإضافة، من دون تردّد (فَقَالَ: رَجُلٌ) قال الحافظ -رحمه اللَّه تعالى-: لم أقف على اسمه (أَوَ يَأْتِي الْخَيْرُ بالشَّرِّ؟) بفتح واو "أَو"، والهمزة للاستفهام، والوا عاطفة على مقدّر، أي أتصير النعَمة عقوبة؟؛ لأن زهرة الدنيا نعمة من اللَّه تعالى، فهل تعود هذه النعمة نقمةً؟، وهو استفهام استرشاد، لا إنكار. والباء في قوله: "بالشرّ" صلة ليأتي، أي هل يستجلب الخيرُ الشرّ (٣).

وقال القرطبيّ: قوله: "وهل يأتي الخير بالشرّ" سؤالُ مَنِ استبعد حصول شرّ من شيء سمّاه رسول اللَّه - صلى اللَّه عليه وسلم - "بركات"، وسمّاه خيرًا في قوله تعالى: {وَإِنَّهُ لِحُبِّ الْخَيْرِ لَشَدِيدٌ} [العاديات: ٨] وشِبْهِهِ مما سُمّي المال فيه خيرًا، فلما فَهِم - صلى اللَّه عليه وسلم - من سؤاله هذا الاستبعاد أجابه جواب من بقي عنده اعتقاد أن الخير الذي هو المال قد يَعرِض له أن يحصل عنه شرّ، إذا تعدى به حده، وأسرف فيه، ومنع من حقّه، ولذلك قال: "أَوَ خيرٌ هو؟ " -بهمزة الاستفهام، وواو العطف الواقعة بعدها المفتوحةِ على الرواية


(١) - "لسان العرب" في مادّة زهر.
(٢) - "فتح" ج ١٣ ص ٢٣ - ٢٤.
(٣) - "فتح" ج ١٣ ص ٢٤.