للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

في المقابل، فلا بدّ في الخبر من أمرين: أحدهما: تحصيله بوجهه. والثاني: صرفه في مصارفه، وعند انتفاء أحدهما يصير ضررًا، وعلى هذا فقد ترك مقابل المذكور ههنا في قوله الآتي: "والذي يأخذه بغير حقّه الخ"، أي أو لا يستعمله بعد أخذه بحقّه في مصارفه، ففي الكلام الاحتباك (١). وقد يقال: فيه الإشارة إلى الملازمة بين القيدين، فلا يُوَفّق المرء للصرف في المصارف، إلا إذا أخذه بوجهه. أفاده السنديّ (٢).

وفيه إشارة إلى عكسه، وهو: بئس صاحب المسلم هو لمن لم يعط اليتيم، والمسكين، وابن السبيل.

(وَالْمِسْكِينَ، وَابْنَ السَّبِيلِ، وَإِنَّ الَّذِي يَأْخُذُهُ) أي المال (بِغَيرِ حَقِّهِ، كَالَّذِي يَأْكُلُ، وَلَا يَشْبَعُ) هذا ذُكر في مقابَلة قوله: "ونعم صاحب المسلم هو" (وَيَكُونُ عَلَيْهِ شَهِيدًا يَوْمَ الْقِيَامَةِ) أي يشهد عليه بحرصه، واسرافه، وإنفاقه فيما لا يُرضي اللَّه -عَزَّ وَجَلَّ-.

قال في "الفتح": يحتمل أن يشهد عليه حقيقة، بأن ينطقه اللَّه تعالى ويجوز أن يكون مجازًا، والمراد شهادة الملك الموكّل به انتهى.

قال الجامع - عفا اللَّه تعالى عنه -: الاحتمال الثاني احتمالٌ ضعيف؛ لأنه لا داعي إلى المجاز مع إمكان الحقيقة، ومما يُبعده ما تقدّم في "باب مانع الزكاة" -٢٠/ ٢٤٨١ - من حديث أبي هريرة - رضي اللَّه تعالى عنه -، مرفوعًا: "من آتاه اللَّه -عَزَّ وَجَلَّ- مالًا، فلم يؤدّ زكاته، مُثل له ماله يوم القيامة شُجاعًا، أقرع، له زبيبتان، يأخذ بلِهْزمتيه، يوم القيامة، فيقول: أنا مالك، أنا كنزك … " الحديث. فإنه نَصٌّ في أن المال يكلّمه، ويوبّخه حقيقة، فدلّ على أن المراد بالشهادة هنا الشهادة الحقيقيّة، فتبصّر، واللَّه تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب، وهو المستعان، وعليه التكلان.

مسائل تتعلّق بهذا الحديث:

(المسألة الأولى): في درجته:

حديث أبي سعيد الخدريّ - رضي اللَّه تعالى عنه - هذا متّفق عليه.

(المسألة الثانية): في بيان مواضع ذكر المصنّف له، وفيمن أخرجه معه:


(١) - الاحتباك نوع لطيف من أنواع البديع، وهو الحذف من الأول لدلالة ما أثبت نظيره في الثاني، ومن الثاني ما أثبت نظيره في الأول، كقوله تعالى: {وَمَثَلُ الَّذِينَ كَفَرُوا كَمَثَلِ الَّذِي يَنْعِقُ} الآية [البقرة: ١٧١] التقدير -واللَّه أعلم-: ومثل الأنبياء والكفار، كمثل الذي يَنعِق، والذي يُنعَق به، فحذف من الأول الأنبياء، لدلالة {الَّذِي يَنْعِقُ} عليه، ومن الثاني: الذي يُنعَق به، لدلالة {الَّذِينَ كَفَرُوا} عليه. أفاده في "كشّاف اصطلاحات الفنون" ج ١ ص ٤٦١.
(٢) - "شرح السنديّ" ج ٥ ص ٩١ - ٩٢.