التمسّك به لمن لم يرجّح أحدهما على الآخر، والعجب أنّ النوويّ قال: فيه حجة لمن رجّح الغنيّ على الفقير، وكان قبل ذلك شرح قوله:"لا يأتي الخير إلا بالخير" على أن المراد أن الخير الحقيقيّ لا يأتي إلا بالخير، لكن هذه الزهرة ليست خيرًا حقيقيًّا؛ لما فيها من الفتنة، والمنافسة، والاشتغال عن كمال الإقبال على الآخرة. قال الحافظ: فعلى هذا يكون حجّة لمن يفضّل الفقر على الغنى، والتحقيق أن لا حجّة فيه لأحد القولين انتهى (١).
(ومنها): الحضّ على إعطاء المسكين، واليتيم، وابن السبيل (ومنها): أن المكتسب للمال من غير حلّه لا يُبارَك له فيه؛ لتشبيهه بالذي يأكل، ولا يشبع (ومنها): ذمّ الإسراف، وكثرة الأكل، والنَّهَم فيه (ومنها): أن اكتساب المال من غير حلّه، وكذا إمساكه عن إخراج الحقّ منه سبب لمحقه، فيصير غير مبارك، كما قال تعالى:{يَمْحَقُ اللَّهُ الرِّبَا وَيُرْبِي الصَّدَقَاتِ} الآية. واللَّه تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب.
(المسألة الرابعة): فيما قاله العلماء في بيان التمثيل الذي ورد في هذا الحديث: قال في "الفتح": يؤخذ من الحديث التمثيل لثلاثة أصناف؛ لأن الماشية إذا رَعَت الخَضِر للتغذية، إما أن تقتصر منه على الكفاية، وإما أن تستكثر، الأول الزهّاد، والثاني، إما أن يحتال على إخراج ما لو بقي لضرّ، فإذا أخرجه زال الضرّ، واستمرّ النفع، وإما أن يهُمل ذلك، الأول العاملون في جمع الدنيا بما يجب من إمساك وبذل، والثاني العاملون في ذلك بخلاف ذلك.
وقال الطيبيّ: يؤخذ منه أربعة أصناف: فمن أكل منه أَكْلَ مُستَلِذّ، مُفرِط، منهمك، حتى تنتفخ أضلاعه، ولا يُقلع، فيسرع إليه الهلاك. ومن أكل كذلك، لكنه أخذ في الاحتيال لدفع الداء بعد أن استحكم، فغلبه، فأهلكه. ومن أكل كذلك، لكنه بادر إلى إزالة ما يضره، وتحيّل في دفعه، حتى انهضم، فيسلم. ومن أكل غير مفرط، ولا منهمك، وإنما اقتصر على ما يسدّ جوعته، ويُمسك رَمَقَه.
فالأول: مثال الكافر، والثاني: مثال العاصي الغافل عن الإقلاع، والتوبة، إلا عند فواتها. والثالث: مثل للمخلّط المبادر للتوبة، حيث تكون مقبولة. والرابع: مثال الزاهد في الدنيا، الراغب في الآخرة. وبعضها لم يُصرَّح به في الحديث، وأخذُهُ منه محتمل.
وقال الزين ابن الْمُنَيِّر -رحمه اللَّه تعالى-: في هذا الحديث وجوه من التشبيه بديعة:
(أولها): تشبيه المال، ونموّه بالنبات وظهوره. (ثانيها): تشبيه المنهمك في الاكتساب والأسباب، بالبهائم المنهمكة في الأعشاب (ثالثها): تشبيه الاستكثار منه، والادّخار به