للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

(المسألة الخامسة): في اختلاف أهل العلم في جواز دفع زكاة أحد الزوجين إلى الآخر: قال الإمام ابن المنذر -رحمه اللَّه تعالى-: أجمعوا على أنّ الرجل لا يعطي زوجته من الزكاة شيئًا؛ لأن نفقتها واجبةٌ عليه.

قال الصنعاني: وعندي فيه توقّف؛ لأن غنى المرأة بوجوب النفقة على زوجها، لا يصيّرها غنيّةً، الغِنَى الذي يمنع من حلّ الزكاة لها انتهى.

قال الجامع - عفا اللَّه تعالى عنه -: ما قاله الصنعانيّ متّجهٌ؛ إذ التعليل بوجوب نفقتها على الزوج، لا يوجب امتناع الصرف إليها؛ لأن نفقتها واجبة عليه، غنيّةً كانت، أو فقيرة، فالصرف إليها لا يسقط عنه شيئًا (١). واللَّه تعالى أعلم.

وأما دفع الزوجة زكاتها إلى زوجها، فذهب الشافعيّ، والثوريّ، وابن المنذر (٢)، وأبو يوسف، ومحمد بن الحسن، وإحدى الروايتين عن مالك، وأحمد (٣) إلى جوازه.

وحجّتهم حديثُ زينب المذكور في الباب، ووجه الاحتجاج به أنها سألته عن الصدقة على زوجها، وعلى الأيتام في حجرها، فأجابها بأن لها أجرَ الصلة، وأجر الصدقة، ولم يستفسر، هل هي صدقة واجبة، أم تطوّعٌ؟، وترك الاستفصال في حكايته الحال ينزّل منزلة العموم في المقال.

وذهب أبو حنيفة، ومالك، وأحمد في رواية إلى منعه. واحتجّوا بأنها تنتفع بدفعها إليه؛ لأنه إن كان عاجزًا عن الإنفاق عليها تمكّن بأخذ الزكاة من الإنفاق فيلزمه، وإن لم يكن عاجزًا، ولكنه أيسر بها، لزمه نفقة الموسرين، فتنتفع بها في الحالين.

ورُدَّ هذا بأنه يلزم منه منع دفعها له صدقة التطوّع أيضًا؛ للعلّة المذكورة؛ مع أنه يجوز دفعها إليه اتفاقًا.

قال الجامع - عفا اللَّه تعالى عنه -: عندي أنّ المذهب الأول هو الأرجح؛ لأمرين: (الأول): أن الزوج داخل في الأصناف المنصوص عليهم في مصارف الزكاة؛ لأنه فقير. (الثاني): أنه ليس في المنع نصّ، ولا إجماعٌ، ولا قياس صحيح.

قال العلاّمة الشوكانيّ -رحمه اللَّه تعالى-: الظاهر أنه يجوز صرف زكاتها إليه:

(أما أوّلًا): فلعدم المانع من ذلك، ومن قال: إنه لا يجوز فعليه الدليل. (وأما ثانيًا): فلأن ترك استفصاله - صلى اللَّه عليه وسلم - لها ينزّل منزلة العموم، فلما لم يستفصلها عن الصدقة،


(١) - انظر "نيل الأوطار" ج ٤ ص ١٩١.
(٢) - راجع "المغني" لابن قدامة ج ٤ ص ١٠١.
(٣) - قال في "الفتح" ج ٤ ص ٩٠: كذا أطلق بعضهم، ورواية المنع عنه مقيدة بالوارث، وعبارة الخرقيّ: ولا لمن تلزمه مؤونته، فشرحه ابن قدامة بما قيدته، قال: والأظهر الجواز مطلقًا إلا للأبوين والولد. انتهى.