للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

قال: وأما سائر الأقارب، فمن لا يُوَرَّثُ منهم يجوز دفع الزكاة إليه، سواء كان انتفاء الإرث لانتفاء سببه، لكونه بعيد القرابة، أو لمانع، مثل الأخ المحجوب بالابن، فيجوز دفع الزكاة إليه؛ لأنه لا قرابة جزئيّة بينهما، ولا ميراث، فأشبها الأجانب، وإن كان بينهما ميراث، كالأخوين الذين يرث أحدهما الآخر، ففيه روايتان عن أحمد:

[إحداهما]: يجوز دفع زكاته إلى الآخر، وهي الظاهرة عنه، رواها عنه جماعة، فقد سئل: أيُعطِي الأخ، والأختَ، والخالة من الزكاة؟ قال: يعطي كلَّ القرابة إلا الأبوين والولد. وهذا قول أكثر أهل العلم. قال أبو عبيد: هو القول عندي؛ لقول النبيّ - صلى اللَّه عليه وسلم -: "الصدقة على المسكين صدقةٌ، وهي لذي الرحم اثنان، صدقة وصلة". فلم يشترط نافلة، ولا فريضة، ولم يفرّق بين الوارث وغيره.

[الرواية الثانية]: لا يجوز دفعها إلى الْمُوّرَّثِ؛ لأنه يلزمه مؤنته، فيغنيه بزكاته عن مؤنته، ويعود نفع زكاته إليهم، فلم يجز، كدفعها إلى والده، أو قضاء دينه بها. والحديث يحتمل صدقة التطوّع، فيُحمل عليها. انتهى مختصركلام ابن قدامة بتصرف (١).

قال الجامع - عفا اللَّه تعالى عنه -: عندي القول الراجح هو الأول، كما اختاره أبو عبيد، واحتجّ له بإطلاق حديث: "الصدقة على المسكين الخ"، وكذلك إطلاق حديث زينب المذكور في الباب، فإن ترك الاستفصال ينزّل منزل العموم، كما هو مبيّن في محلّه.

والحاصل أن الحقّ جواز دفع الزكاة لعموم الأقارب، فإن صحّ الإجماع على أنه لا يجوز دفعها للوالدين -كما ادعاه ابن المنذر- قلنا به، وإلا فهما داخلان في عموم النصوص أيضًا.

قال العلامة الشوكانيّ -رحمه اللَّه تعالى-: ويؤيّد الجواز، والإجزاء الحديث الذي تقدّم عند البخاريّ، بلفظ: "زوجك، وولدك أحقّ من تصدّقت عليهم". وترك الاستفصال في مقام الاحتمال، ينزّل منزلة العموم في المقال. ثم الأصل عدم المانع، فمن زعم أن القرابة، أو وجوب النفقة مانعان، فعليه الدليل، ولا دليل انتهى (٢).

قال الجامع - عفا اللَّه تعالى عنه -: هذا الذي قاله الشوكانيّ -رحمه اللَّه تعالى-، هو عين التحقيق الحقيق بالقبول، المؤيَّد بأدلّة النقول. واللَّه تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب.


(١) - راجع "المغني" ج ٤ ص ٩٨ - ١٠٠.
(٢) - "نيل الأوطار" ج ٤ ص ١٩٢ طبعة دار الكتب، تحقيق محمد سالم هاشم.