للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

شرح الحديث

(عَنِ ابْنِ شِهَابٍ) محمد بن مسلم (أَنَّ أَبَا عُبَيْدٍ) سَعْدَ بن عُبيد (مَوْلَى عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَزْهَرَ) ويقال له: مولى عبد الرحمن بن عوت (أَخْبَرَهُ) أي أخبر ابنَ شهاب (أَنَّهُ سَمِعَ أَبَا هُرَيْرَةَ) - رضي اللَّه تعالى عنه - (يَقُولُ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى اللَّه عليه وسلم -: لَأَنْ يَحْتَزِمَ أَحَدُكُمْ) بفتح اللام، قال الكرمانيّ: هي إما ابتدائيّة، أو جواب قسمِ محذوف انتهى. و"يحتزم": أي يشدّ بالحبل، يقال: حَزَمتُ الدّابّةَ حَزْمًا، من باب ضرب: شددتها بالْحِزَام. قاله في "المصباح". واحتزم الرجلُ، وتحزم بمعنًى، وذلك إذا شد وسطه بحبل. أفاده في "اللسان" (حُزْمَةَ حَطَبٍ) بالنصب مفعول "يحتزم". وفي نسخة: "بحزمة حطب" بزيادة الباء. و"الْحُزْمة" بضمّ، فسكون، وجمعه حُزَم، كغرفة، وغُرَف، ما يشدّ به الشيء. و"الحطب" بفتح المهملتين: ما أُعدّ من الشجر شَبُوبًا -أي وَقُودًا- للنار. قاله في "اللسان" (عَلَى ظَهْرِهِ) ولفظ "الكبرى": "فيحملها على ظهره"، فالجارّ والمجرور هنا يتعلق بـ "يحملها" مقدّرًا (فَيَبِيعَهَا) بالنصب عطفًا على "يحتزم" (خَيْرٌ) خبر قوله: "أن يحتزم"؛ لأنه في تأويل المصدر مبتدأ، أي احتزامُه خيرٌ له.

وقال في "الفتح": ليست "خير" هنا بمعنى أفعل التفضيل؛ إذ لا خير في السؤال مع القدرة على الاكتساب، والأصحّ عند الشافعيّة أن سؤال مَن هذا حاله حرام. ويحتمل أن يكون المراد بالخير فيه بحسب اعتقاد السائل، وتسميتِهِ الذي يُعطاه خيرًا، وهو في الحقيقة شرّ انتهى (١).

وقال الحافظ وليّ الدين -رحمه اللَّه تعالى-: [فإن قلت]: لا خير في السؤال، فما وجه هذا الترجيح؟.

[قلت]: يحتمل وجهين:

[أحدهما]: أن ذلك حيث اضطرّ إلى السؤال بحيث لا يصير فيه ذمّ أصلًا، فتَرْكُه مع ذلك خير من فعله، وفي هذا الجواب نظرٌ؛ لأن من أمكنه الاحتطاب لم يضطرّ إلى السؤال.

[ثانيهما]: أن هذه الصيغة، وهي "خيرٌ" قد تستعمل في غير الترجيح، كما في قوله تعالى: {أَصْحَابُ الْجَنَّةِ يَوْمَئِذٍ خَيْرٌ مُسْتَقَرًّا} الآية انتهى (٢).

وقال السنديّ في شرحه: "الكلام من قبيل: {وَأَنْ تَصُومُوا خَيْرٌ لَكُمْ}، والمراد أن ما يلحق الإنسان بالاحتزام من التعب الدنيويّ خيرٌ له مما يلحقه بالسؤال من التعب الأخرويّ، فعند الحاجة ينبغي أن يختار الأول، ويترك الثاني انتهى (٣). وقال في حاشية


(١) - راجع "الفتح" ج ٤ ص ٩٨.
(٢) - "طرح التثريب" ج ٤ ص ٨٣ - ٨٤.
(٣) - "شرح السنديّ" ج ٥ ص ٩٤.