مَعَاذَ اللَّه مِنْ خُلُقٍ دَنِيءٍ … يَكُونُ الْفَضلُ فِيهِ عَلَي لَالِي
تَوَقَّ يَدَا تَكُونُ عَلَيْكَ فَضلًا … فَصَانِعُهَا إِلَيكَ عَلَيْكَ عَالِي
يَدٌ تَعْلُو بِجَمِيلِ فِعْلٍ … كَمَا عَلَتْ الْيَمِينُ عَلَى الشِّمَالِ
وُجُوهُ الْعَيْشِ مِنْ سَعَةٍ وَضِيقٍ … وَحَسْبُكَ وَالتَّوَسُّعُ فِي الْحَلَالِ
وَتُنْكِرُ أَنْ تَكُونَ أَخَا نَعِيمٍ … وَأَنْتَ تُصِيفُ فِي فَيءِ الظِّلَالِ
وَأَنْتَ تُصِيبُ قُوتَكَ فِي عَفَافٍ … وَرِيُّكَ إِنْ ظَمِئْتَ مِنَ الزُّلَالِ
مَتَى تُمْسِي وَتُصْبِحُ مُسْتَرِيحًا … وَأَنْتَ الدَّهْرَ لَا تَرْضَى بِحَالِ
تُكَابِدُ جَمْعَ شَيءٍ بَعْدَ شَيْءٍ … وَتَبغِي أَنْ تَكُونَ رَخِيَّ بَالِ
وَقَدْ يَجْزِي قَلِيلُ الْمَالِ مَجْزَى … كَثِيرِ الْمَالِ فِي سَدِّ الْخِلَالِ
إِذَا كَانَ الْقَلِيلُ يَسُدُّ فَقْرِي … وَلَمْ أَجِدِ الْكَثِيرَ فَلَا أُبَالِي
هِيَ الدُّنْيَا رَأَيْتُ الْحُبَّ فِيهَا … عَوَاقِبُهُ التَّفَرقُ عَنْ تَقَالِ
تُسَرُّ إِذَا نَظَرْتَ إِلَى هِلَالٍ … وَنَقْصُكَ إِنْ نَظَرْتَ إِلَى الْهِلَالِ (١)
واللَّه تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب.
(المسألة الرابعة): في حديث الباب فضيلةُ الاكتساب بعمل اليد، وقد ذكر بعضهم أنه أفضل المكاسب. وقال الماورديّ: أصول المكاسب الزراعة، والتجارة، والصناعة، وأيها أطيب؟ فيه مذاهب للناس، أشبهها بمذهب الشافعيّ أن التجارة أطيب، قال: والأشبه عندي أن الزراعة أطيب؛ لأنها أقرب إلى التوكّل.
قال النوويّ في "شرح المهذّب": في "صحيح البخاريّ"، عن المقدام بن معد يكرب - رضي اللَّه تعالى عنه -، عن النبيّ - صلى اللَّه عليه وسلم -، قال: "ما أكل أحد قط خيرًا من أن يأكل من عمل يده، وإن نبيّ داود - عليه السلام - كان يأكل من عمل يده". قال النوويّ: فالصواب ما نصّ عليه رسول اللَّه - صلى اللَّه عليه وسلم -، وهو عمل اليد، فإن كان زراعةً، فهو أطيب المكاسب، وأفضلها؛ لأنه عمل يده، ولأن فيه توكّلًا، كما ذكره الماورديّ؛ ولأن فيه نفغا عامًّا للمسلمين، والدوابّ، وأنه لا بدّ في العادة أن يؤكل منه بغير عوض، فيحصل له أجره. وإن لم يكن ممن يعمل بيده، بل يعمل له غلمانه، وأجراؤه، فاكتسابه بالزراعة أفضل؛ لما ذكرناه.
(١) - راجع "التمهيد" ج ٤ ص ١١٠ - ١١٣.