للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

وقال في "الروضة" -بعد ذكره الحديث المتقدّم-: فهذا صريحٌ في ترجيح الزراعة، والصناعة؛ لكونهما من عمل يده، ولكن الزراعة أفضلهما؛ لعموم النفع بها للآدميّ وغيره، وعموم الحاجة إليها. واللَّه أعلم.

قال وليّ الدين: وغاية ما في حديث الباب تفضيل الاحتطاب على السؤال، وليس فيه أنه أفضل المكاسب، فلعلّه ذكره لتيسّره، ولا سيّما في بلاد الحجاز؛ لكثرة ذلك فيها. انتهى (١). واللَّه تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب.

(المسألة الخامسة): حديث الباب يدلّ أيضًا على جواز الاكتساب بالمباحات، كالحطب، والحشيش النابتين في موات.

واستدلّ به المهلّب على جواز الاحتطاب، والاحتشاش من الأرض المملوكة، حتى يمنع من ذلك مالك الأرض، فترفع حينئذ الإباحة.

قال وليّ الدين: وهو مرود، فإن النبات في الأرض المملوكة ملك لمالكها، فلا يجوز التصرّف فيه بغير إذنه.

ثم حكى المهلّب عن ابن الموّاز أنه حَكَى عن ابن القاسم، عن مالك، قال: كانت له أرض يملكها، ليست بأرض خربة، فإن أراد أن يبيع ما ينبت فيها من المراعي بعد طيبهن أنه لا بأس به. وقال أشهب: لا يجوز ذلك؛ لأنه رزقٌ مِن رزقِ اللَّه تعالى، ولا يحلّ لربّ الأرض أن يمنع منه أحدًا، لقوله- صلى اللَّه عليه وسلم -: "لا يُمنَع فضلُ الماء ليُمنَع به الكلأُ". ولو كان النبات في حائط إنسان لما حلّ له أن يمنع منه أحدًا؛ لقوله - صلى اللَّه عليه وسلم -: "لا حمى إلا للَّه، ولرسوله". وقال الكوفيّون كقول أشهب. قاله في "طرح التثريب" (٢).

قال الجامع - عفا اللَّه تعالى عنه -: عندي أن ما قاله الإمام مالك -رحمه اللَّه تعالى- هو الأرجح؛ لأن معنى الحديث: أنه لا يجوز لصاحب الماء الفاضل عن حاجته منعه عن أصحاب المواشي، حتى لا يترتّب على منعه منع الكلأ المباح, لأنهم إذا لم يجدوا ماء لا يمكنهم رعي مواشيهم في ذلك الكلإ، وليس المراد منع الكلإ المملوك. واللَّه تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب.

(المسألة السادسة): في الاكتساب فائدتان: الاستغناء عن السؤال، والتصدّق على المحتاج، وقد ذكرهما النبيّ - صلى اللَّه عليه وسلم - في قوله في رواية مسلم: "فيتصدّق، ويستغني من الناس". كذا في أكثر نسخ "صحيح مسلم" بالميم، وفي بعضها "عن الناس" بالعين. قال النوويّ: وكلاهما صحيح، والأول محمول على الثاني. انتهى (٣). واللَّه تعالى أعلم


(١) - "طرح التثريب" ج ٤ ص ٨٤.
(٢) - "طرح" ج ٤ ص ٨٤ - ٨٥.
(٣) - "طرح" ج ٤ ص ٨٤.