السؤال الواجب بالمريدين في ابتداء الأمر، وبسؤال الأولياء للاقتداء، وتمثيله بسؤال موسى والخضر طعامًا من أهل القرية ففيه نظر، ولا يُطلق على سؤال المريدين في ابتدائهم اسم الوجوب، وإنما جرت عادت المشايخ الذين يهذّبون أخلاق المريدين بفعل ذلك لكسر أنفسهم إذا كان في ذلك صلاحهم، فأما الوجوب الشرعيّ فلا، وأما سؤال الخضر وموسى، فلا يلزم هذه الأمة الاقتداء بهما في ذلك، وإنما وقع ذلك من الخضر لحكمة أطلعه اللَّه عليها ليبيّن لموسى - عليه السلام - ما ينتهي الحال إليه في المرّات الثلاث انتهى كلام العراقيّ منقولًا من "طرح التثريب"(١).
قال الجامع - عفا اللَّه تعالى عنه -: قول أبي بكر بن العربيّ: فأما وجوبه فللمريدين في ابتداء الأمر الخ صدور مثل هذا الكلام من أمثاله عجيب، كيف يكون تهذيب الأخلاق بما هو من محظورات الشرع؟، فهل تهذب النفوس إلا بمتابعة الرسول - صلى اللَّه عليه وسلم -، ومخالفة الهوى المضادّة لسنته؟. وهل جاء عنه - صلى اللَّه عليه وسلم - أنه أمر بتهذيب الأخلاق بالسؤال؟ وهل الأولياء يكونون قدوة في الشيء المذموم شرعًا، وما كانوا أولياء إلا بالتقوى، واتباع السنة، ومجانبة البدع والهوى، إن هذا لهو العجب العجاب. ومن الغريب أن العراقيّ اعترض عليه في قوله بالوجوب، ولم يعترض عليه في دعواه مشروعية تهذيب الأخلاق بالسؤال، بل وافقه في أصل المشروعية، حيث قال: وإنما جرت عادت المشايخ الذين يهذّبون أخلاق المريدين بفعل ذلك لكسر أنفسهم إذا كان في ذلك صلاحهم.
فهل هذا التهذيب من عمل الصحابة، والتابعين؟، لا، بل هذا مما ابتدعه الجهالة الذين لم يستضيئوا بنور الكتاب والسنّة، فالتهذيب الصحيح للأخلاق والنفوس، لا يكون إلا بما شرعه الشارع الحكيم على لسان من أرسله مهذبًا للأخلاق، وهاديًا إلى الخلّاق.
وبالجملة فالنجاة كلّ النجاة في الدنيا والآخرة في اتباع من قال اللَّه تعالى في حقّه:{وَإِنْ تُطِيعُوهُ تَهْتَدُوا}[النور: ٥٤]، وقال:{فَالَّذِينَ آمَنُوا بِهِ وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ وَاتَّبَعُوا النُّورَ الَّذِي أُنْزِلَ مَعَهُ أُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ}[الأعراف: ١٥٧]، وقال:{وَاتَّبِعُوهُ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ}[الأعراف: ١٥٨]. واللَّه تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب.
(المسألة التاسعة): قال الحافظ العراقيّ -رحمه اللَّه تعالى- في "شرح الترمذيّ": ورد التخصيص في السؤال في أربعة أماكن: وهي أن يسأل سلطانًا، أو في أمر لا بدّ منه، أو ذا رحم في حاجة، أو الصالحين.
فأما السلطان فهو الذي بيده أموال المصالح، وأما الأمر الذي لا بدّ منه، فهو الحاجة