للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

السؤال أن يملك الشخص خمسين درهمًا، أو يملك قيمتها من الذهب.

وفيه دليل على أن من ملك خمسين درهمًا، أو قيمتها من الذهب يحرم عليه السؤال، وهذا فرد من أفراد الغنى المانع عن السؤال، إذ لا عبرة للمفهوم، فلا دليل فيه على إباحة السؤال لمن كان عنده أقلّ من خمسين درهمًا مما بيّنه النبيّ - صلى اللَّه عليه وسلم - في أحاديث أُخَر.

وقيل: هذا الحديث منسوخٌ بحديث الأُوقيّة، وهو منسوخ بـ "ما يُغدّيه، ويُعشّيه".

وقيل: يُجمع بين هذه الأحاديث بأنّ القدر الذي يَحرُم السؤال عنده هو أكثرها، وهي الخمسون عملًا بالزيادة.

وقال في "حُجّة اللَّه البالغة" جـ ٢ ص ٣٥: جاء في تقدير الغنية المانعة من السؤال أنها أوقية، أو خمسون درهمًا. وجاء أيضًا أنها ما يُغدّيه وُيعشّيه، وهذه الأحاديث ليست متخالفة عندنا؛ لأن الناس على منازل شتًى، ولكلّ واحد كسبٌ، لا يمكن أن يتحوّل عنه، أعني الإمكان المأخوذ في العلوم الباحثة عن سياسة المُدُن، لا المأخوذ في علم تهذيب النفوس.

فمن كان كاسبًا بالحرفة، فهو معذورٌ حتى يجد آلات الحرفة، ومن كان زارعًا حتى يجد الزرع، ومن كان تاجرًا حتى يجد البضاعة، ومن كان على الجهاد مسترزقًا بما يروح ويغدو من الغنائم، كما كان أصحاب رسول اللَّه - صلى اللَّه عليه وسلم -، فالضابط فيه أوقيّة، أو خمسون درهمًا، ومن كان كاسبًا يحمل الأثقال في الأسواق، أو احتطاب الحطب وبيعه، وأمثال ذلك، فالضابط فيه ما يغدّيه، ويعشّيه. واللَّه تعالى أعلم انتهى.

وقد استُدلّ بهذا الحديث لأحمد، وإسحاق، ومن وافقهما على أن الغنى المانع من أخذ الصدقة هو ملك خمسين درهمًا.

وتُعقّب بأنه ليس في الحديث أن من ملك خمسين درهمًا لم تحلّ له الصدقة، وإنما فيه أنه كره المسألة فقط، فلا يحلّ له أخذ الزكاة بالسؤال، وأما الأخذ من غير سؤال فلا دليل فيه على منعه. وسيأتي تمام البحث فيه في المسألة الثالثة، إن شاء اللَّه تعالى.

(قَالَ: يَحْيىَ) هو ابن سعيد القطّان (قَالَ: سُفْيَانُ) هو الثوريّ الراوي عن حكيم بن جُبير في السند السابق (وَسَمِعْتُ زُبَيْدًا) هو ابن الحارث اليماميّ، أبو عبد الرحمن الكوفيّ، الثقة الثبت العابد، من الطبقة السادسة، تقدّمت ترجمته في ٣٧/ ١٤٢٠ (يُحَدِّثُ) جملة حالية من المفعول (عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبدِ الرَّحْمَنِ بْنِ يَزِيدَ) المذكور في السند السابق.

قال الجامع - عفا اللَّه تعالى عنه -: غرض سفيان بهذا الكلام بيان أن ضعف حكيم بن جبير لا يضرّ بصحة الحديث، إذ لم ينفرد به، بل تابعه عليه من الثقات زبيد بن الحارث