يكون قادرًا على الكسب، ومكتسبًا بالفعل، كما أوضحته فيما سبق، فلو لم يكن له كسبٌ، أو وجد كسبًا، ولكنه لا يقدر عليه، فإنه يجوز له الأخذ منها.
والحاصل أن تأويل الحديث بالمسألة غير صحيح. واللَّه تعالى أعلم.
وقال القاري: في هذا الحديث نفي كمال الحلّ، لا نفس الحلّ، أو لا تحلّ له بالسؤال انتهى.
وقال السنديّ: لا تحلّ الصدقة، أي سؤالها، وإلا فهي تحلّ للفقير، وإن كان صحيحًا سويّ الأعضاء، إذا أعطاه أحدٌ بلا سؤال.
قال الجامع - عفا اللَّه تعالى عنه -: فيما قاله القاري، والسنديّ نظرٌ، فإنه من جنس ما تقدّم في كلام الترمذيّ، وقد عرفت ما فيه، فتبصّر بالإنصاف، ولا تتحيّر بالاعتساف. واللَّه تعالى أعلم.
وقال الخطّابيّ: اختلف الناس في جواز أخذ الصدقة لمن يجد قوّة يقدر بها على الكسب، فقال الشافعيّ: لا تحل له الصدقة، وكذلك قال إسحاق بن راهويه، وأبو عبيد. وقال أصحاب الرأي: يجوز له أخذ الصدقة إذا لم يملك مائتي درهم فصاعدًا انتهى.
قال الجامع - عفا اللَّه تعالى عنه -: عندي الأرجح ما ذهب إليه الأولون، فلا تحلّ الصدقة لقويّ سليم الأعضاء، مكتسب، فلو لم يكن قادرًا على الكسب، أو كان قادرًا عليه، ولكن لا يتيسّر له، بأن كانت أسباب الكسب غير مُتَاحَة له جاز أخذ الصدقة، وبهذا تجتمع الأحاديث من دون تعارض. واللَّه تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب، وهو المستعان، وعليه التكلان.
مسألتان تتعلقان بهذا الحديث:
(المسألة الأولى): في درجته:
حديث أبي هريرة - رضي اللَّه تعالى عنه - هذا صحيح.
[فإن قلت]: ذكر في "التنقيح" أن الإمام أحمد -رحمه اللَّه تعالى- قال: سالم بن أبي الجعد لم يسمع عن أبي هريرة - رضي اللَّه تعالى عنه -. فكيف يصحّ مع الانقطاع؟
[قلت]: لا يضرّ ذلك لأن الحديث رواه الحاكم في "المستدرك" ج ١ ص ٤٠٧ - من طريق أبي حازم، عن أبي هريرة - رضي اللَّه تعالى عنه -، وقال: صحيح على شرط الشيخين، ووافقه الذهبيّ، فلا يضره الانقطاع المذكور؛ لصحّته من هذا الوجه، فتنبّه. واللَّه تعالى أعلم.
(المسألة الثانية): في بيان مواضع ذكر المصنّف له، وفيمن أخرجه معه: