للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

معنى الْمِرّة: القوّةُ، وأصلها من شدّة فَتْل الحبل، يقال: أمررت الحبلَ: إذا أحكمت فَتْلَهُ، فمعنى الْمِرّة في الحديث شدّة أَسْرِ الخلق، وصحّة البدن التي تكون معها احتمال الكدّ والتعب انتهى (١). وقال الجوهريّ: الْمِرّة: القوّة، وشدّة العقل، ورجلٌ مَرِير: أي قويّ ذو مرّة. وقال غيره: المرّة القوّة على الكسب والعمل.

(سَوِيٍّ) أي سليم الْخَلْق، تامّ الأعضاء. قال الجوهريّ: السويّ: مستوي الخلق، والمراد استواء الأعضاء، وسلامتها.

ولا بدّ من قيده بكونه مكتسبًا، بدليل الحديث الآتي في الباب التالي بلفظ: "ولا حظّ فيها لغنيّ، ولا لقويّ مكتسب".

يعني أنه لا تحلّ الصدقة لمن كان قويّا سليم الأعضاء مكتسبًا، فلو كان قويّا سليم الأعضاء، ولكن ليس له كسبٌ، أو كان له كسب، ولكن شُغِل عنه، بأن كان عالمًا يحتاج الناس إلى علمه، لو اكتسب لما انتفع بعلمه الناس، أو كان طالب علم، لو اشتغل بالكسب لانقطع عن العلم، ونحو ذلك جاز له أخذها.

والحجة في ذلك أن فقراء المهاجرين كانوا منقطعين للعلم، وللجهاد، فكان رسول اللَّه - صلى اللَّه عليه وسلم - يُعطيهم من الصدقة، ولم يكلّفهم بالاكتساب، مع أن أكثرهم قادرون عليه، فدلّ على أن من امتنع عن الاكتساب لمهمّة دينية جاز له أخذها، وإن كان قادرًا على الكسب، فقوله: "لقويّ مكتسب" ظاهر في كونه مكتسبًا بالفعل، فمن تهيّأت له أسباب الكسب، وكان متفرّغًا له، لم يجز له أخذها؛ لحديث الباب. واللَّه تعالى أعلم.

وقال الإمام الترمذيّ -رحمه اللَّه تعالى-: قد روي في غير هذا الحديث عن النبيّ - صلى اللَّه عليه وسلم -: "لا تحلّ المسألة لغنيّ، ولا لذي مرّة سويّ" (٢)، وإذا كان الرجل قويًّا محتاجًا، ولم يكن عنده شيء، فتصدّق عليه أجزأ عن المتصدّق عند أهل العلم، ووجه هذا الحديث عند بعض أهل العلم على المسألة انتهى.

قال الجامع - عفا اللَّه تعالى عنه -: ما قاله الترمذيّ -رحمه اللَّه تعالى- عندي فيه نظرٌ من وجهين:

[أحدهما]: أن الحديث المذكور ضعيف؛ لأن في سنده مجالد بن سعيد، وهو ضعيف.

[والثاني]: أن حديث الباب ليس فيه منع المحتاج عن الصدقة مطلقًا، بل بشرط أن


(١) - "معالم السنن" ج ٢ ص ٢٣٣.
(٢) - أخرجه الترمذيّ بلفظ: "إن المسألة لا تحلّ لغنيّ، ولا لذي مرّة سويّ … " الحديث، وفي سنده مجالد بن سعيد، وهو ضعيف.