منها: أنه من سداسيات المصنف -رَحِمَهُ اللَّهُ-، وأن رجاله كلهم ثقات، وفيه رواية تابعي عن تابعي. واللَّه تعالى أعلم.
شرح الحديث
(عَنْ سَمُرَةَ بْنِ جُنْدُبٍ) - رضي اللَّه عنه - أنه (قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى اللَّه عليه وسلم -: "إِنَّ الْمَسَائِلَ) جمع مسألة مصدرٌ ميميّ لـ "سأل" بمَعنى السؤال، وإنما جمعت لاختلاف أنواعها، والمراد هنا سؤال الشخص أموال الناس (كُدُوحٌ) بالرفع خبر "إن"، وهو بضمّ الكاف جمع كَدْح، كفلس وفلوس، وهو كلّ أثر، من خَدْشٍ، أو عَضّ. ويحتمل أن يكون مصدرا، سمي به الأثر. والإخبار به عن المسائل حينئذ باعتبار من قامت به آثاره، أي أن سؤال الشخص أموال الناس من غير حاجة، كخدوش (يَكْدَحُ بِهَا الرَّجُلُ وَجْهَهُ) بفتح حرف المضارعة، من باب فتح. أي يَخدُش، ويَجرح بتلك المسائل وجهه يوم القيامة. ويحتمل أن يكون المراد أنه يُريق بالسؤال ماء وجهه، ويسعى في ذهاب كرامته، فهي شين في العِرْض، كما أن الجراحة في الوجه شين فيه.
وفي الرواية الآتية في الباب التالي: "كَدٌّ يكُدّ بها الرجل وجهه". قال الجزريّ: الكدّ الإتعاب، يقال: كَدّ يكُدُّ في عمله: إذا استعجل، وتعب. وأراد بالوجه ماءه، ورَوْنَقَه انتهى. وقال السيوطيّ في "قوت المغتذي": كَدٌّ بفتح الكاف، وتشديد الدال المهملة، وفي رواية أبي داود: "كُدُوح" بضم الكاف، والدال، وحاء مهملة. وقد ذكر اللفظين معًا أبو موسى المدينيّ في "ذيله" على "الغريبين"، وفسّر الكُدوح بالخُدوش في الوجه، والكدّ بالتعب والنصب. قال العراقيّ: ويجوز أن يكون الكدح بمعنى الكدّ، من قوله تعالى:{إِنَّكَ كَادِحٌ}[الانشقاق: ٦]، وهو السعي والحرص انتهى ما في "قوت المغتذي" (١).
(فَمَنْ شَاءَ كَدَحَ وَجْهَهُ) بالسؤال (وَمَنْ شَاءَ تَرَكَ) الكُدُوح، أو السؤال، وهذا ليس بتخيير، بل هو توبيخٌ، كما في قوله تعالى:{فَمَنْ شَاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شَاءَ فَلْيَكْفُرْ} الآية (إِلَّا أَنْ يَسْأَلَ الرَّجُلُ ذَا سُلْطَانٍ) أي إلا أن يسأل الشخص صاحب حكم وولايةٍ حقَّه من بيت المال، أو غيره، فيباح له السؤال حينئذ، ولا منّة للسلطان في ذلك؛ لأنه متولٍّ بيتَ مال المسلمين، ووكيل على حقوقهم، فهذا سأله المحتاجون إنما يسألونه حقوقهم، فهو كسؤال الإنسان وكيله أن يُعطيه من ماله.