قال الجامع - عفا اللَّه تعالى عنه -: [فإن قلت]: تقدّم في رواية بُسْر بن سعيد أن عمر هو الذي استعمله، ولفظه:"استعملني عمر بن الخطّاب - رضي اللَّه تعالى عنه - على الصدقة، فلما فرغت منها، فأدّيتها إليه، أمر لي بعُمالة، فقلت له: إنما عَملت للَّه -عَزَّ وَجَلَّ- … "، فكيف يُجمع بينه، وبين قوله هنا:"ألم أُخبر"؟.
[قلت]: يجاب عنه - واللَّه تعالى أعلم- بأن عمر هو الذي استعمله على الشام لجمع الصدقات، فلما جمعها، وقدم بها عليه، أمر له أن يُعطَى عُمالته، فلم يقبلها، فأُخبر بذلك عمر - رضي اللَّه تعالى عنه -، فاستدعاه، فقال له: ألم أخبر الخ. واللَّه تعالى أعلم.
(أَنَّكَ تَعْمَلُ عَلى عَمَلٍ، مِنْ أَعْمَالِ الْمُسْلِمِينَ) قد تبيّن من رواية بُسْر بن سعيد المذكورة نوع العمل الذي تولّاه، وهو السعي على الصدقة (فَتُعْطَى عَلَيْهِ عُمَالَةً) -بضمّ العين المهملة، وتخفيف الميم- اسم لأجرة العمل، وأما العَمَالة -بفتح العين- فهي نفس العمل (فَلَا تَقْبَلُهَا؟) وفي رواية الزبيديّ الآتية: "رددتها". وفي رواية شعيب الآتية:"كرهتها"(قَالَ) ابن السعديّ (أَجَلْ) بفتحتين، كـ "نعم" وزنًا ومعنًى. وفي الرواية الآتية:"قلت: بلى". زاد في الرواية الآتية:"فما تريد إلى ذلك؟ "، أي ما غاية قصدك بهذا الردّ؟، فبيّن قصده بقوله (إِنَّ لِي أَفْرَاسًا، وَأَعْبُدًا، وَأنَا بِخَيْرٍ) والأفراس بالفاء جمع فرس، والأعبد بالباء الموحّدة جمع عبد. قال الحافظ: وَللكشميهنيّ "أعتُد" -بمثناة بدل الموحّدة، جمع عَتيد، وهو المال المدّخر. ووقع عند ابن حبّان في "صحيحه" من طريق قبيصة بن ذؤيب أن عمر أعطى ابن السعديّ ألف دينار، فذكر بقيّة الحديث نحو الذي هنا. ورويناه في الجزء الثالث من "فوائد أبي بكر النيسابوريّ" الزيادات من طريق عطاء الخراسانيّ، عن عبد اللَّه بن السعديّ، قال: قدمت على عمر، فأرسل إليّ ألف دينار، فرددتها، وقلت: أنا عنها غنيّ"، فذكره أيضًا بنحوه، واستفيد منه قدر العمال المذكورة انتهى كلام الحافظ (١).
(وَأُرِيدُ أَنْ يَكُونَ عَمَلِي صَدَقَةً عَلَى الْمُسْلِمِينَ) أراد ابن السعديّ - رضي اللَّه تعالى عنه - بهذا بيان سبب تركه قبول العُمَالة، وذلك كونه غير محتاج إليها، وإرادته التصدّق بها على المسلمين.
(فَقَالَ: عُمَرُ - رضي اللَّه عنه -: إِنِّي أَرَدْتُ) بضم التاء على التكلّم (الَّذِي أَرَدْتَ) بفتح التاء على الخطاب (وَكَانَ النَّبِيُّ - صلى اللَّه عليه وسلم -، يُعْطِينِي الْمَالَ) وفي الرواية الآتية: "يعطني العطاء"